وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم ، وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة ، وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابى حيث قال : هل على غيرها؟ قال : لا ، إلا أن تطوع» (١).
وحديث طلحة الذي أشار إليه ابن عبد البر ، قد جاء في صحيح البخاري ونصه : عن طلحة بن عبيد الله قال : جاء رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوى صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «خمس صلوات في اليوم والليلة ، فقال : هل على غيرها؟ :
قال : «لا .. إلا أن تطوع» ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وصيام رمضان» قال : هل على غيره؟ قال : «لا إلا أن تطوع» ، قال. وذكر له رسول الله صلىاللهعليهوسلم الزكاة ، قال. هل على غيرها؟ قال «لا إلا أن تطوع».
قال ، فأدبر الرجل وهو يقول. والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص. فقال ، رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أفلح إن صدق» (٢).
هذا ؛ ومما استدل به جمهور الصحابة ومن بعدهم من العلماء ، على عدم حرمة اقتناء الأموال التي تفيض عن الحاجة ـ مادام قد أدى حق الله فيها ـ ما يأتى :
(أ) أن قواعد الشرع لا تحرم ذلك ، وإلا لما شرع الله المواريث لأنه لو وجب إنفاق كل ما زاد عن الحاجة ، لما كان لمشروعية المواريث فائدة.
(ب) ثبت في الحديث الصحيح أن سعد بن أبى وقاص عند ما كان مريضا ، وزاره رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال له : يا رسول الله : أأوصى بمالي كله؟ قال : «لا. قال سعد : فالشطر؟ قال : لا. قال سعد : فالثلث؟ فقال له صلىاللهعليهوسلم : فالثلث والثلث كثير. إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ...» (٣).
ولو كان جمع المال واقتناؤه محرما ، لأقر النبي صلىاللهعليهوسلم سعدا على التصدق بجميع ماله ، ولأمر المسلمين أن يحذوا حذو سعد ، ولكنه صلىاللهعليهوسلم لم يفعل ذلك ، بل قال لسعد : «إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ..».
وقد كان في عهده صلىاللهعليهوسلم من الصحابة من يملكون الكثير من الأموال ـ كعثمان بن
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٨ ص ٣١٣٧.
(٢) صحيح البخاري ج ١ ص ١٨ باب : الزكاة من الإسلام. من كتاب الإيمان.
(٣) صحيح البخاري ج ٤ ص ٣ باب «أن يترك ورثته أغنياء». من كتاب الوصايا.