الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ..) الآية فقال ابن عمر : من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له ، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال.
وروى أبو داود عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ..) كبر ذلك على المسلمين ، فقال عمر : أنا أفرج عنكم ، فانطلق فقال : يا نبي الله ، إنه كبر على أصحابك هذه الآية. فقال صلىاللهعليهوسلم «إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم ، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم» قال : فكبر عمر. ثم قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة ، إذا نظر إليها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته» (١).
٣ ـ أخذ بعض الصحابة من هذه الآية تحريم اكتناز الأموال التي تفيض عن حاجات الإنسان الضرورية.
قال ابن كثير : كان من مذهب أبى ذر ـ رضى الله عنه ـ تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال ، وكان يفتي بذلك ، ويحثهم عليه ويأمرهم به ، ويغلظ في خلافه ، فنهاه معاوية فلم ينته ، فخشي أن يضر بالناس في هذا ، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان ، وأن يأخذه إليه ، فاستقدمه عثمان إلى المدينة وأنزله بالربذة ـ وهي بلدة قريبة من المدينة ـ وبها مات ـ رضى الله عنه ـ في خلافة عثمان.
وروى البخاري في تفسير هذه الآية عن زيد بن وهب قال : مررت بالربذة ، فإذا بأبى ذر ، فقلت له : ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال : كنا بالشام فقرأت (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ). فقال معاوية : ما هذه فينا ما هذه إلا في أهل الكتاب. قال : قلت : إنها لفينا وفيهم.
ثم قال ابن كثير : وفي الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأبى ذر : «ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا يمر على ثلاثة أيام وعندي منه شيء إلا دينار أرصده لدين» فهذا ـ والله أعلم ـ هو الذي حدا أبا ذر على القول بهذا» (٢).
وقال الشيخ القاسمى : قال ابن عبد البر : وردت عن أبى ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش ، فهو كنز يذم فاعله ، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٢٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٥٢ ـ بتصرف وتلخيص.