والمعنى : إن عدد الشهور «عند الله» أى : في حكمه وقضائه (اثْنا عَشَرَ شَهْراً) هي الشهور القمرية التي عليها يدور فلك الأحكام الشرعية.
وقوله (فِي كِتابِ اللهِ) ، أى : في اللوح المحفوظ.
قال القرطبي : وأعاده بعد أن قال (عِنْدَ اللهِ) لأن كثيرا من الأشياء يوصف بأنه عند الله ، ولا يقال إنه مكتوب في كتاب الله ، كقوله (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (١).
وقيل معنى «في كتاب الله» أى فيما كتبه ـ سبحانه ـ وأثبته وأوجب على عباده العمل به منذ خلق السموات والأرض.
قال الجمل : وقوله. (فِي كِتابِ اللهِ) صفة لاثنى عشر ، وقوله : (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) متعلق بما تعلق به الظرف قبله من معنى الثبوت والاستقرار ، أو بالكتاب ، إن جعل مصدرا.
والمعنى : أن هذا أمر ثابت في نفس الأمر منذ خلق الله الأجرام والأزمنة (٢) أى : أن المقصود من هذه الآية الكريمة ، بيان أن كون الشهور كذلك حكم أثبته ـ سبحانه ـ في اللوح المحفوظ منذ أوجد هذا العالم ، وبينه لأنبيائه على هذا الوضع .. فمن الواجب اتباع ترتيب الله لهذه الشهور ، والتزام أحكامها ونبذ ما كان يفعله أهل الجاهلية من تقديم بعض الشهور أو تأخيرها أو الزيادة عليها ، أو انتهاك حرمة المحرم منها.
وقوله ، (حُرُمٌ) جمع حرام ـ كسحب جمع سحاب ـ مأخوذ من الحرمة وذلك لأن الله تعالى ـ أوجب على الناس احترام هذه الشهور ، ونهى عن القتال فيها :
وقد أجمع العلماء على أن المراد بها ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب ، وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فقد أخرج البخاري عن أبى بكر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال في خطبة حجة الوداع : «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. ثلاث متواليات : ذو القعدة وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» (٣).
وسماه صلىاللهعليهوسلم رجب مضر ، لأن بنى ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٣٢.
(٢) حاشية الجمل ج ٢ ص ٢٨٠.
(٣) صحيح البخاري ج ٦ ص ٨٣ ـ كتاب التفسير.