قيل : ليس ذلك كذلك ، بل ذلك حرام علينا في كل وقت ولكن الله عظم حرمة هؤلاء الأشهر وشرفهن على سائر شهور السنة : فخص الذنب فيهن ، بالتعظيم كما خصهن بالتشريف ، وذلك نظير قوله ـ تعالى ـ (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ،) ولكنه تعالى ـ زادها تعظيما ، وعلى المحافظة عليها توكيدا ، وفي تضييعها تشديدا ، فكذلك في قوله (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
وقد كانت الجاهلية تعظم هذه الأشهر الحرم وتحرم القتال فيهن ، حتى لو لقى الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يهجه (١).
وقال القرطبي : لا يقال كيف جعلت بعض الأزمنة أعظم حرمة من بعض فإنا نقول : للباري ـ تعالى ـ أن يفعل ما شاء ، ويخص بالفضيلة ما يشاء ليس لعمله علة ، ولا عليه حجر ، بل يفعل ما يريد بحكمته ، وقد تظهر فيه الحكمة وقد تخفى (٢).
وقوله : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) تحريض للمؤمنين على قتال المشركين بقلوب مجتمعة ، وعزيمة صادقة.
وكلمة (كَافَّةً) مصدر في موضع الحال من ضمير الفاعل في (قاتِلُوا) أو من المفعول وهو لفظ المشركين ، ومعناها : جميعا.
وقالوا : وهذه الكلمة من الكلمات التي لا تثنى ولا تجمع ولا تدخلها أل ولا تعرب إلا حالا فهي ملتزمة للإفراد والتأنيث مثل : عامة وخاصة (٣).
أى : قاتلوا ـ أيها المؤمنون ـ المشركين جميعا ، كما يقاتلونكم هم جميعا ، بأن تكونوا في قتالكم لهم مجتمعين متعاونين متناصرين ، لا مختلفين ولا متخاذلين.
وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) تذييل قصد به إرشادهم إلى ما ينفعهم في قتالهم لأعدائهم بعد أمرهم به.
أى : واعلموا ـ أيها المؤمنون أن الله تعالى ـ مع عباده المتقين بالعون والنصر والتأييد ، ومن كان الله معه فلن يغلبه شيء فكونوا ـ أيها المؤمنون من عباد الله المتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل ما نهى عنه ؛ لتنالوا عونه وتأييده.
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ١٢٧.
(٢) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٣٦.
(٣) راجع تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٨٢. وتفسير المنار ج ١٠ ص ٤٨٤.