ويصح أن يكون الفاعل هو الذين كفروا أى يضل الذين كفروا عن الحق بسبب استعمالهم للنسيء الذي هو لون من ألوان استحلال محارم الله.
وقوله : (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) بيان وتفسير لكيفية ضلالهم.
والضمير المنصوب في (يُحِلُّونَهُ) و (يُحَرِّمُونَهُ) يعود إلى النسيء ، أى الشهر المؤخر عن موعده.
والمعنى أن هؤلاء الكافرين من مظاهر ضلالهم ، أنهم يحلون الشهر المؤخر عن وقته عاما من الأعوام ، ويحرمون مكانه شهرا آخر ليس من الأشهر الحرم ، وأنهم يحرمونه أى : يحافظون على حرمة الشهر الحرام عاما آخر ، إذا كانت مصلحتهم في ذلك.
والمواطأة : الموافقة. يقال : واطأت فلانا على كذا إذا وافقته عليه بدون مخالفته.
والمعنى : فعل المشركون ما فعلوه من التحليل والتحريم للأشهر على حسب أهوائهم ، ليوافقوا بما فعلوه عدة الأشهر الحرم ، بحيث تكون أربعة في العدد وإن لم تكن عين الأشهر المحرمة في شريعة الله.
قال ابن عباس : ما أحل المشركون شهرا من الأشهر الحرم إلا حرموا مكانه شهرا من الأشهر الحلال. وما حرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الأشهر الحرام ، لكي يكون عدد الأشهر الحرم أربعة. (١).
وقوله : (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) تفريع على ما تقدم.
أى : فيحلوا بتغييرهم الشهور المحرمة ، ما حرمه الله في شرعه. فهم وإن كانوا وافقوا شريعة الله في عدد الشهور المحرمة ، إلا أنهم خالفوه في تخصيصها فقد كانوا ـ مثلا ـ يستحلون شهر المحرم ويحرمون بدله شهر صفر.
وقوله : (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) ذم لهم على انتكاس بصائرهم ، وسوء تفكيرهم.
أى : زين لهم الشيطان سوء أعمالهم ، فجعلهم يرون العمل القبيح عملا حسنا. وقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) تذييل قصد به التنفير والتوبيخ للكافرين.
أى : والله تعالى. اقتضت حكمته أن لا يهدى القوم الكافرين إلى طريقه القويم ، لأنهم بسبب سوء اختيارهم استحبوا العمى على الهدى ، وآثروا طريق الغي على طريق الرشاد .. فكان أمرهم فرطا.
هذا ، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٦ ص ٥٨ ـ بتصرف يسير.