ولذا قال صلىاللهعليهوسلم في خطبته في حجة الوداع : «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات الأرض».
ثم قال القرطبي ؛ كانوا يحرمون شهرا فشهرا حتى استدار التحريم على السنة كلها. فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله فيه. فهذا معنى قوله صلىاللهعليهوسلم «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» (١).
٣ ـ أخذ بعضهم من قوله تعالى ـ (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت لم ينسخ ، وأنه لا يصح القتال فيها إلا أن يكون دفاعا.
قال ابن جريج : حلف بالله عطاء بن أبى رباح أنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها.
وذهب جمهور العلماء إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم قد نسخ ، بدليل أن الله ـ تعالى ـ بعد أن نهى المؤمنين عن أن يظلموا أنفسهم بالقتال فيها أمرهم بقتال المشركين من غير تقيد بزمن فقال (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) فدل ذلك على أن القتال في الأشهر الحرم مباح.
وبدليل أن النبي صلىاللهعليهوسلم حاصر أهل الطائف في شهر حرام وهو شهر ذي القعدة.
قال ابن كثير : ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج إلى هوازن في شوال ، فلما كسرهم .. لجئوا إلى الطائف ، فعمد صلىاللهعليهوسلم إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوما ، وانصرف ولم يفتتحها فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام ـ أى. في شهر ذي القعدة.
ثم قال ما ملخصه : وأما قوله ـ تعالى ـ (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) فيحتمل أنه منقطع عما قبله وأنه حكم مستأنف ، ويكون من باب التهييج للمؤمنين على قتال أعدائهم .. ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال أعدائهم في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم ـ. أى من الأعداء : كما قال : ـ تعالى ـ (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) وكما قال ـ تعالى ـ (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ).
وهكذا الجواب عن حصار رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل الطائف واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر الحرام ، فإنه من تتمة قتال هوازن وأحلافها ، فإنهم الذين بدءوا القتال للمسلمين .. فعند ذلك قصدهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما تحصنوا بالطائف ذهب إليهم لينزلهم
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٣٧.