من حصونهم فنالوا من المسلمين ، وقتلوا جماعة منهم .. واستمر حصار المسلمين لهم أربعين يوما ، وكان ابتداؤه في شهر حلال ، ودخل الشهر الحرام فاستمر فيه أياما ثم قفل عنهم ، لأنه يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء ، وهذا أمر مقرر (١).
ومن كلام ابن كثير. رحمهالله ـ نستنتج أنه يميل إلى القول بأن المنهي عنه هو ابتداء القتال في الأشهر الحرم ، لا إتمام القتال فيها متى بدأ الأعداء ذلك وهو قريب من قول القائل : لا يحل القتال فيها ولا في الحرم إلا أن يكون دفاعا.
وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس ، لأنه لم يثبت أن الرسول صلىاللهعليهوسلم بدأ أعداءه القتال في الأشهر الحرم ، وإنما الثابت أن الأعداء هم الذين ابتدءوا قتال المسلمين فيها ، فكان موقف المسلمين هو الدفاع عن أنفسهم :
٤ ـ ذكر المفسرون روايات في أول من أخر حرمة شهر إلى آخر ، فعن مجاهد قال : كان رجل من بنى كنانة يأتى كل عام إلى الموسم على حمار له فيقول : أيها الناس : إنى لا أعاب ولا أخاب ولا مرد لما أقول. إنا قد حرمنا المحرم وأخرنا صفر. ثم يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته ويقول : إنا قد حرمنا صفر وأخرنا المحرم.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هذا رجل من بنى كنانة يقال له «القلمس» وكان في الجاهلية. وكانوا في الجاهلية لا يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام. يلقى الرجل قاتل أبيه فلا يمد إليه يده. فلما كان هو قال لقوله : اخرجوا بنا ـ أى للقتال ـ. فقالوا له : هذا المحرم. قال : ننسئه العام ، هما العام صفران. فإذا كان العام القابل قضينا .. جعلناهما محرمين.
قال : ففعل ذلك. فلما كان عام قابل قال : لا تغزوا في صفر. حرموه مع المحرم. هما محرمان» (٢).
وقد كان بعض أهل الجاهلية يتفاخر بهذا النسيء ، ومن ذلك قول شاعرهم :
ومنا ناسئ الشهر القلمس
قال آخر :
ألسنا الناسئين على معد |
|
شهور الحل نجعلها حراما |
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٥٥ بتصريف يسير.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٥٦.