شأنها ؛ لأنهم لم يكن لهم عهد سابق بكيفية تقسيمها ، أما أكثر الصحابة فإنهم لم يلتفتوا إلى هذه الغنائم ، بل تركوا أمرها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يضعها كيف يشاء.
وأيضا فإن هؤلاء الذين حدث بينهم الخلاف في شأن الغنائم ، كان من الدوافع التي دفعتهم إلى هذا الخلاف ، ما فهموه من أن حيازة الغنائم تدل على حسن البلاء ، وشدة القتال في سبيل الله ، فكان كل واحد منهم يحرص على أن يظهر بهذا المظهر المشرف وهم في أول لقاء لهم مع أعدائهم.
وعند ما جاوز هذا الحرص حده ، بأن غطى على ما يجب أن يسود بينهم من سماحة وصفاء ، نزل القرآن ليربيهم بتربيته الحكيمة ، وليؤدبهم بأدبه السامي ، وليخبرهم بحكم الله في شأن هذه الأنفال .. وبعد أن عرفوا حكم الله في شأنها ، قابلوه بالرضا والإذعان والتسليم.
٢ ـ أن القرآن في ترتيبه للحوادث ، لا يلزم سردها على حسب زمن وقوعها ، وإنما يرتبها بأسلوبه الخاص الذي يراعى فيه مقتضى حال المخاطب.
فلقد افتتحت السورة التي معنا بالحديث عن الغنائم التي غنمها المسلمون في بدر ـ مع أن ذلك كان بعد انتهاء الغزوة ـ ليشعر المخاطبين من أول الأمر أن النصر في هذه الغزوة كان للمسلمين ، وأن الإسلام قد صرع الكفر منذ أول معركة نازله فيها.
وهذا اللون من الافتتاح هو ما يعبر عنه البلغاء ببراعة الاستهلال.
ولقد أفاض بعض العلماء في شرح هذا المعنى فقال ما ملخصه.
وقد بدأت السورة بموضوع الأنفال واختلافهم في قسمتها وسؤالهم عنها ، فساقت في ذلك أربع آيات ، هن : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ ..) إلى قوله ـ (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
وقد عالجت هذه الآيات نفوس المؤمنين ، وعملت على تطهيرها من الاختلاف الذي ينشأ عن حب المال والتطلع إلى المادة ، ولا ريب أن حب المال والتطلع إلى المادة من أكبر أسباب الفشل.
ولأهمّيّة هذا الموضوع في حياة المؤمنين بدأت به السورة ، وإن كان اختلافهم في قسمة الأنفال متأخرا في الوجود عن اختلافهم في الخروج إلى بدر ، وقتال الأعداء.
وقد عرفنا من سنة القرآن في ذكر القصص والوقائع أنه لا يعرض لها مرتبة حسب وقوعها ، وذلك لأنه لا يذكرها على أنها تاريخ يعين لها الوقت والمكان ، وإنما يذكرها لما فيها من العبر والمواعظ ، ولما تتطلبه من الأحكام والحكم.