فمشى عمير إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكر ما قال الجلاس. فسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم الجلاس عما قاله عمير ، فحلف بالله ما قال ذلك ، وزعم أن عميرا كذب عليه فنزلت هذه الآية (١).
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد أخبرنا الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبى الطفيل.
قال : لما أقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غزوة تبوك أمر مناديه فنادى إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ طريق العقبة ـ وهو مكان مرتفع ضيق ـ فلا يأخذها أحد.
قال : فبينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقود ركابه حذيفة ويسوقه عمار ، إذا أقبل رهط ملثمون على الرواحل ، فغشوا عمارا وهو يسوق برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحذيفة : «قد ، قد». أى حسبك حسبك. حتى هبط رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورجع عمار.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يا عمار : «هل عرفت القوم»؟ فقال : لقد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون. قال : «هل تدرى ما أرادوا»؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : «أرادوا أن ينفروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم راحلته فيطرحوه» .. (٢).
هذه بعض الروايات التي وردت في سبب نزول هذه الآية وهي تكشف عن كذب المنافقين وغدرهم.
وقوله. سبحانه : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ...) استئناف مسوق لبيان جانب مما صدر عنهم من جرائم تستدعى جهادهم والإغلاظ عليهم.
أى : يحلف هؤلاء المنافقون بالله كذبا وزورا أنهم ما قالوا هذا القول القبيح الذي بلغك عنهم يا محمد.
والحق أنهم قد قالوا «كلمة الكفر» وهي تشمل كل ما نطقوا به من أقوال يقصدون بها إيذاءه. صلىاللهعليهوسلم ، كقولهم : «هو أذن» وقولهم. «لئن كان ما جاء به حقا فنحن أشر من حمرنا ...» وغير ذلك من الكلمات القبيحة التي نطقوا بها.
وأنهم قد «كفروا بعد إسلامهم» أى : أظهروا الكفر بعد إظهارهم الإسلام.
وأنهم قد «هموا بما لم ينالوا» أى : حاولوا إلحاق الأذى برسول الله صلىاللهعليهوسلم ولكنهم لم يستطيعوا ذلك ، لأن الله تعالى. عصمه من شرورهم.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١٣٨.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٧٢. بتصرف وتلخيص.