وغطفان. قالوا : إن لنا عيالا ، وإن بنا جهدا فائذن لنا في التخلف.
وقيل : هم رهط عامر بن الطفيل ، قالوا : إن غزونا معك أغارت أعراب طيئ على أهالينا ومواشينا ، فقال صلىاللهعليهوسلم «سيغنيني الله عنكم» وعن مجاهد : نفر من غفار اعتذروا فلم يعذرهم الله ـ تعالى ـ وعن قتادة : اعتذروا بالكذب ... (١).
وعلى هذا الرأى تكون الآية الكريمة قد ذكرت قسمين ـ أيضا ـ من الأعراب ، إلا أن أولهما قد اعتذر بأعذار غير مقبولة ، وثانيهما لم يعتذر ، بل قعد في داره مصرا على كفره ، ولذا قال أبو عمرو بن العلاء : كلا الفريقين كان سيئا : قوم تكلفوا عذرا بالباطل وهم الذين عناهم الله ـ تعالى. بقوله (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ) ، وقوم تخلفوا من غير عذر فقعدوا جرأة على الله وهم المنافقون ، فتوعدهم الله بقوله : (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
والذي يبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ؛ لتناسقه مع ما يفيده ظاهر الآية ، لأن الآية الكريمة ذكرت نوعين من الأعراب ، أحدهما : المعذرون.
أى أصحاب الأعذار ، وثانيهما : الذين قعدوا في بيوتهم مكذبين لله ولرسوله ، فتوعدهم ـ سبحانه ـ بالعذاب الأليم ، ولأنه لا توجد قرينة قوية تجعلنا نرجح أن المراد بالمعذرين هنا ، أصحاب الأعذار الباطلة ، لأن التفسير اللغوي للكلمة ـ كما نقلنا عن القرطبي ـ يجعلها صالحة للأعذار المقبولة ، فكان الحمل على حسن الظن أولى ، والله ، تعالى ، بعد ذلك هو العليم بأحوال العباد ، ما ظهر منها وما بطن.
وعلى هذا يكون معنى الآية الكريمة : وعند ما استنفر النبي صلىاللهعليهوسلم الناس إلى غزوة تبوك ، جاءه أصحاب الأعذار من الأعراب ليستأذنوه في عدم الخروج معه ، فقبل صلىاللهعليهوسلم ما هو حق منها.
وقوله : (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بيان للفريق الثاني من الأعراب وهو الذي لم يجئ إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم معتذرا.
أى : وقعد عن الخروج إلى تبوك ، وعن المجيء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم للاعتذار ، أولئك الذين كذبوا الله ورسوله في دعوى الإيمان ، وهم الراسخون في النفاق والعصيان من الأعراب سكان البادية.
وقوله : (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وعيد لهم بسوء العاقبة في الدارين.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٠٠.