١ ـ أن التكاليف الإسلامية تقوم على اليسر ورفع الحرج ، ومن مظاهر ذلك : أن الجهاد. وهو ذروة سنام الإسلام ، قد أعفى الله ـ تعالى ـ منه الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون وسائله ومتطلباته.
قال الإمام القرطبي (١) : قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ..) هذه الآية أصل في سقوط التكليف عن العاجز ، فكل من عجز عن شيء مسقط عنه ، ولا فرق بين العجز من جهة القوة أو العجز من جهة المال. ونظير هذه الآية قوله. تعالى ـ : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٢) وقوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (٣).
٢ ـ أنه متى وجدت النية الصادقة في فعل الخير. حصل الثواب وإن لم يكن هناك عمل ، بدليل أن المؤمنين الذين لم يخرجوا للجهاد لعذر شرعي ، بشرهم النبي صلىاللهعليهوسلم بأنهم مشاركون لمن خرج في الأجر.
قال الإمام ابن كثير : في الصحيحين من حديث أنس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال. «إن بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا ، ولا سرتم سيرا إلا وهم معكم قالوا : وهم بالمدينة قال نعم حبسهم العذر».
وروى الإمام أحمد عن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد خلفتم بالمدينة رجالا ، ما قطعتم واديا ، ولا سلكتم طريقا ، إلا شاركوكم في الأجر ، حبسهم المرض» (٤).
٣ ـ أن الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ ضربوا أروع الأمثال في الحرص على الجهاد والاستشهاد وأن أعذارهم الشرعية لم تمنع بعضهم من المشاركة في القتال ...
فهذا عبد الله بن أم مكتوم وكان يخرج إلى غزوة أحد ويطلب أن يحمل اللواء. وهذا عمرو ابن الجموح ـ وكان أعرج ـ يخرج في مقدمة الجيوش فيقول له الرسول صلىاللهعليهوسلم : «إن الله قد عذرك» فيقول : «والله لأحفرن بعرجتي هذه الجنة» ـ أى لأتركن آثار أقدامى فيها.
ومن كان يؤتى به وهو يمشى بين الرجلين معتمدا عليهما من شدة ضعفه» ومع ذلك يقف في صفوف المجاهدين.
وبهذه القلوب السليمة ، والعزائم القوية والنفوس النقية التي خالط الإيمان شغافها ..
__________________
(١) تفسير القرطبي ـ بتصرف يسير ج ٨ ص ٢٢٦.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٦.
(٣) سورة الفتح الآية ١٧.
(٤) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٢٦.