ومنهم من يرى أن المراد بالتوبة هنا : دوامها لا أصلها ، وإلى هذا المعنى أشار بعضهم بقوله : لقد تاب الله على النبي ..» أى : أدام توبته على النبي والمهاجرين والأنصار. وهذا جواب عما يقال : من أن النبي معصوم من الذنب ، وأن المهاجرين والأنصار لم يفعلوا ذنبا في هذه القضية ، بل اتبعوه من غير تلعثم ، قلنا : المراد بالتوبة في حق الجميع دوامها لا أصلها ..» (١).
ومنهم من يرى أن ذكر النبي هنا إنما هو من باب التشريف ، والمراد قبول توبة المهاجرين والأنصار فيما صدر عن بعضهم من زلات. وقد وضح هذا المعنى الإمام الآلوسى فقال : قال أصحاب المعاني : المراد ذكر التوبة على المهاجرين والأنصار ، إلا أنه جيء في ذلك بالنبي صلىاللهعليهوسلم تشريفا لهم ، وتعظيما لقدرهم ، وهذا كما قالوا في ذكره ـ تعالى ـ في قوله : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ..) الآية أى : عفا ـ سبحانه ـ عن زلات صدرت منهم يوم أحد ويوم حنين ...» (٢).
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب الآراء إلى الصواب ، لأن الآية الكريمة مسوقة لبيان فضل الله ـ تعالى ـ على رسوله وعلى المؤمنين ، حيث غفر لهم ما فرط منهم من هفوات وقعت في هذه الغزوة وهذه الهفوات صدرت منهم بمقتضى الطبيعة البشرية ، وبمقتضى الاجتهاد في أمور لم يبين الله ـ تعالى ـ حكمه فيها ، فهي لا تنقص من منزلة الرسول صلىاللهعليهوسلم ولا من منزلة أصحابه الصادقين في إيمانهم.
والمعنى ، لقد تقبل الله ـ تعالى ـ توبة النبي صلىاللهعليهوسلم كما تقبل توبة أصحابه المهاجرين والأنصار ، الذين اتبعوه عن طواعية واختيار وإخلاص في ساعة العسرة. أى في وقت الشدة والضيق ، وهو وقت غزوة تبوك ، فالمراد بالساعة هنا مطلق الوقت.
وقد كانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة ، كما كان الجيش الذي اشترك فيها يسمى بجيش العسرة ، وذلك لأن المؤمنين خرجوا إليها في سنة مجدبة ، وحر شديد ، وفقر في الزاد والماء والراحلة.
قال ابن كثير : قال مجاهد وغير واحد : نزلت هذه الآية في غزوة تبوك ، وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر ، في سنة مجدبة ، وحر شديد ، وعسر في الزاد والماء.
وقال قتادة : خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحر ـ أى شدته ـ على ما يعلم الله من
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٢٤ ـ بتصرف يسير.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ٣٩.