وقوله : (يَلُونَكُمْ) من الولي بمعنى القرب ، تقول جلست مما يلي فلان أى : يقاربه.
قال ابن كثير : أمر الله المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولا فأولا ، الأقرب فالأقرب ، إلى حوزة الإسلام ، ولهذا بدأ الرسول صلىاللهعليهوسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب ، فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة واليمن .. وغير ذلك من أقاليم العرب ، دخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا ، شرع في قتال أهل الكتاب ، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب ، وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام لأنهم أهل كتاب ، فبلغ تبوك ثم رجع لأجل جهد الناس ، وجدب البلاد ، وضيق الحال ، ذلك سنة تسع من الهجرة ، ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجة الوداع ، ثم عاجلته المنية ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بعد حجة الوداع بأحد وثمانين يوما وسار خلفاؤه الراشدون من بعده على نهجه.
وقوله (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) أى : وليجد الكفار منكم غلظة عليهم في قتالكم ، فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقا بأخيه المؤمن ، غليظا على عدوه الكافر. قال ـ تعالى ـ : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ).
وفي الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أنا الضحوك القتال» يعنى : أنه ضحوك في وجه وليه المؤمن ، قتال لهامة عدوه الكافر» (١).
وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) تذييل قصد به حض المؤمنين على التسلح بسلاح الإيمان والتقوى حتى ينالوا نصر الله وعونه.
أى : واعلموا أن الله ـ تعالى ـ مع المتقين بنصره ومعونته ، فاحرصوا على هذه الصفة ليستمر معكم نصره ـ سبحانه ـ وعونه.
وإنما أمر الله ـ تعالى ـ المؤمنين أن يبدءوا قتالهم مع الأقرب فالأقرب من ديارهم ، لأن القتال شرع لتأمين الدعوة الإسلامية ، وقد كانت دعوة الإسلام موجهة إلى الأقرب فالأقرب ، فكان من الحكمة أن يبدءوا قتالهم مع المجاورين لهم حتى يأمنوا شرهم ، ولأنه من المعلوم أنه ليس في طاقة المسلمين قتال جميع الكفار ، وغزو جميع البلاد في زمان واحد ، فكان من قرب أولى ممن بعد.
ثم ختمت السورة ـ أيضا ـ حديثها الطويل المتنوع عن المنافقين ببيان موقفهم من نزول الآيات القرآنية على الرسول صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) تفسير ابن كثير ـ بتصرف وتلخيص ـ ج ٢ ص ٤٠١.