هذه أهم الأدلة التي استند إليها القائلون بأن الملائكة لم تقاتل يوم بدر ، وإنما كانت وظيفتهم تثبيت المؤمنين ، وتقوية عزائمهم. وتصحيح نياتهم.
(ج) أما القسم الثالث من العلماء الذين كتبوا في هذه المسألة ، فمنهم الذي اكتفى بسرد الآراء دون أن يرجح بينها ، ومن هؤلاء صاحب الكشاف ، فقد قال :
فإن قلت : هل قاتلت الملائكة يوم بدر؟ قلت : اختلف فيه. فقيل : نزل جبريل في يوم بدر في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر ، وميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها على بن أبى طالب في صورة الرجال. فقاتلت. وقيل : قاتلت يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب .. وقيل : لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ، ويثبتون المؤمنين ، وإلا فملك واحد كاف في إهلاك أهل الدنيا كلهم .. (١).
ومنهم الذي يرى أن البحث في تفاصيل أمثال هذه المسائل ليس من الجد الذي هو طابع هذه العقيدة ، ومن هؤلاء صاحب «في ظلال القرآن» فقد قال ما ملخصه :
«تروى روايات كثيرة مفصلة عن الملائكة في يوم بدر : عددهم وطريقة مشاركتهم في المعركة. وما كانوا يقولونه للمؤمنين مثبتين ، وما كانوا يقولونه للمشركين مخذلين. ونحن ـ على طريقتنا في الظلال ـ نكتفي في مثل هذا الشأن من عوالم الغيب بما يرد في النصوص المتيقنة من قرآن أو سنة ، والنصوص القرآنية هنا فيها الكفاية : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ ..) فهذا عددهم (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ..) فهذا عملهم. ولا حاجة إلى التفصيل وراء هذا فإن فيه الكفاية. وبحسبنا أن تعلم أن الله لم يترك العصبة المسلمة وحدها في ذلك اليوم ، وهي قلة والأعداء كثرة ، وأن أمر هذه العصبة وأمر هذا الدين قد شارك فيه الملأ الأعلى مشاركة فعلية على النحو الذي يصفه الله سبحانه في كلماته .. إننا نؤمن بوجود خلق أسماهم الملائكة ، ولكنا لا ندرك من طبيعتهم إلا ما أخبرنا به خالقهم عنهم. فلا نملك من إدراك الكيفية التي اشتركوا بها في نصرة المسلمين يوم بدر إلا بمقدار ما يقرره النص القرآنى. وقد أوحى إليهم ربهم : أنى معكم. وأمرهم أن يثبتوا الذين آمنوا ففعلوا.
ـ لأنهم يفعلون ما يؤمرون ـ ولكننا لا ندري كيف فعلوا.
إن البحث التفصيلي في كيفيات هذه الأفعال كلها ليس من الجد الذي هو طابع هذه العقيدة. وطابع الحركة الواقعية بهذه العقيدة ولكن هذه المباحث صارت من مباحث الفرق
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٠١.