والفتنة : من الفتن. وأصله ـ كما يقول الراغب ـ : إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ، واستعمل في إدخال الإنسان النار.
كما في قوله ـ تعالى ـ (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) أى : عذابكم. وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فتنة فيستعمل فيه نحو قوله ـ تعالى ـ : (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا). وتارة في الاختيار نحو قوله ـ تعالى ـ (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) (١).
والمراد بالفتنة هنا العذاب الدنيوي ، كالأمراض ، والقحط ، واضطراب الأحوال ، وتسلط الظلمة ، وعدم الأمان .. وغير ذلك من المحن والمصائب والآلام التي تنزل بالناس بسبب غشيانهم الذنوب ، وإقرارهم للمنكرات ، والمداهنة في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
والخطاب لجميع المؤمنين في كل زمان ومكان.
فالمعنى : داوموا أيها المؤمنون على طاعة الله بقوة ونشاط ، واحذروا من أن ينزل بكم عذاب سيعم عند نزوله الأخيار والفجار والمحسنين والمسيئين.
وقوله ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) المراد منه الحث على لزوم الاستقامة خوفا من عقاب الله ـ تعالى ـ.
أى : واعلموا أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره ، وانتهك حرماته.
قال صاحب الكشاف : وقوله (لا تُصِيبَنَ) لا يخلو من أن يكون جوابا للأمر ، أو نهيا بعد أمر ، أو صفة لفتنة.
فإذا كان جوابا فالمعنى : إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم ... وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل : واحذروا ذنبا أو عقابا ، ثم قيل : لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله الجميع وليس من ظلم منكم خاصة.
فإن قلت : كيف جاز دخول النون المؤكدة في جواب الأمر؟
قلت : لأن فيه معنى النهى ـ ومتى كان كذلك جاز إدخال النون المؤكدة ـ كما إذا قلت : انزل عن الدابة لا تطرحك أو لا تطرحنك. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) (٢).
وقوله (خَاصَّةً) منصوب على الحال من الفاعل المستكن في قوله (لا تُصِيبَنَ). ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف. والتقدير : إصابة خاصة.
__________________
(١) المفردات في غريب القرآن ص ٣٧١ للراغب الأصفهاني.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢١١ ـ بتصريف يسير ـ