والمراد بالتذكر في قوله : (اذْكُرُوا) أن يتنبهوا بعقولهم وقلوبهم إلى نعم الله ، وأن يداوموا على شكرها حتى يزيدهم ـ سبحانه ـ من فضله.
و (إِذْ) ظرف بمعنى وقت. و (أَنْتُمْ) مبتدأ ، أخبر عنه بثلاثة أخبار بعده وهي (قَلِيلٌ) و (مُسْتَضْعَفُونَ) و (تَخافُونَ).
والمراد بالناس : كفار قريش ، أوهم وغيرهم من كفار العرب والفرس والروم.
وقوله : (فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) بيان لما من به عليهم من نعم بعد أن كانوا محرومين منها.
أى : اذكروا وقت أن كنتم قلة ضعيفة مستضعفة تخشى ـ أن يأخذها أعداؤها أخذا سريعا ، فرفع الله عنكم بفضله هذه الحال ، وأبدلكم خيرا منها ، بأن آواكم إلى المدينة ، وألف بين قلوبكم يا معشر المهاجرين والأنصار (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) في غزوة بدر ، وقذف في قلوب أعدائكم الرعب منكم (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أى : ورزقكم من الغنائم التي أحلها لكم بعد أن كانت محرمة على الذين من قبلكم ، كما رزقكم ـ أيضا بكثير من المطاعم والمشارب الطيبة التي لم تكن متوفرة لكم قبل ذلك.
وقوله (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تذييل قصد به حضهم على مداومة الشكر والطاعة لله ـ عزوجل ـ أى : نقلكم الله ـ تعالى ـ من الشدة إلى الرخاء ، ومن القلة إلى الكثرة ، ومن الضعف إلى القوة ، ومن الخوف إلى الأمن ، ومن الفقر إلى الغنى .. حتى تستمروا على طاعة الله وشكره ، ولا يشغلكم عن ذلك أى شاغل.
قال ابن جرير : قال قتادة في قوله ـ تعالى ـ (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ..) :
«كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا ، وأشقاه عيشا وأجوعه بطونا ، وأعراه جلودا ، وأبينه ضلالا ، من عاش منهم عاش شقيا ، ومن مات منهم ردى في النار ، يؤكلون ولا يأكلون ، والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منهم منزلا ، حتى جاء الله بالإسلام ، فمكن به في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس. فبالاسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله ـ تعالى ـ» (١).
وبذلك نرى أن هذه الآيات الثلاثة قد جمعت بين الترغيب والترهيب والتذكير ... الترغيب
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٩ ص ٢٢٠.