فالآلوسى ـ مثلا ـ يجعل من وجوه مناسبة الأنفال للأعراف أن الأعراف فيها (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ). وأن الأنفال فيها كثير من أفراد المأمور به ..
وهذا المعنى نراه في كثير من السور المتتالية ، فسورة آل عمران ـ مثلا ـ من بين آياتها قوله ـ تعالى ـ : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ..) (١).
وسورة النساء ـ التي بعدها ـ فيها ـ أيضا ـ كثير من أفراد المأمور به ؛ لأن الأمر بالمعروف من الدعائم التي يقوم عليها المجتمع الإسلامى.
والذي تميل إليه النفس أن ترتيب السور توقيفي ، وأن كل سورة لها موضوعاتها التي نراها بارزة بصورة تميزها عن غيرها.
٧ ـ وسورة الأنفال عند ما نتأمل ما اشتملت عليه من آيات ، نراها تحدثنا ـ في مجموعها ـ عن غزوة بدر ، فتعرض أحداثها الظاهرة ، كما تعرض بشارات النصر فيها ، وتكشف عن قدرة الله وتدبيره في وقائع هذه الغزوة الحاسمة ، وتبين كثيرا من الإرشادات والتشريعات الحربية التي يجب على المؤمنين اتباعها حتى ينالوا النجاح والفلاح.
أخرج البخاري عن ابن عباس أن سورة الأنفال نزلت في بدر (٢) :
(أ) لقد افتتحت السورة الكريمة ببيان أن قسمة الأنفال أى ـ الغنائم ـ مردها إلى الله ورسوله ، وأن على المؤمنين أن يذعنوا لما يفعله فيها رسولهم صلىاللهعليهوسلم ثم وصفت المؤمنين الصادقين أكمل وصف ، وبشرتهم بأسمى المنازل ، وأرفع الدرجات.
قال ـ تعالى ـ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ، لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
(ب) وبعد هذا الحديث الطيب عن أوصاف المؤمنين الصادقين ، تبدأ السورة في الحديث عن حال بعض الذين اشتركوا في غزوة بدر ، وكيف أنهم كرهوا القتال في أول الأمر ، لأنهم لم يخرجوا من أجله وإنما خرجوا من أجل الحصول على التجارة التي قدم بها مشركو قريش من بلاد الشام لكن الله ـ تعالى ـ أراد أن يعلمهم وغيرهم أن الخير فيما قدره ، لا فيما يقدرون ويريدون.
__________________
(١) الآية ١٠٤.
(٢) صحيح البخاري. كتاب التفسير ج ٦ ص ٧٧ طبعة مصطفي الحلبي سنة ١٣٤٥ ه.