جاءنا به محمد من قرآن وغيره هو الحق المنزل من عندك ، فعاقبنا على إنكاره والكفر به ، بأن تنزل علينا حجارة من السماء تهلكنا. أو تنزل علينا عذابا أليما يقضى علينا.
قال الجمل : قوله : (هُوَ الْحَقَ) قرأ العامة «الحق» بالنصب على أنه خبر الكون ولفظ (هُوَ) للفصل. وقرأ الأعمش وزيد بن على «الحق» بالرفع ووجهها ظاهر برفع لفظ «هو» على الابتداء ، والحق خبره ، والجملة خبر الكون (١).
وفي إطلاقهم (الْحَقَ) على ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وجعله من عند الله ؛ تهكم بمن يقول ذلك سواء أكان هذا القائل ـ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ أو المؤمنين.
وأل فيه للعهد : أى الحق الذي ادعى محمد أنه جاء به من عند الله.
وقوله : (مِنَ السَّماءِ) متعلق بمحذوف صفة لقوله (حِجارَةً). وفائدة هذا الوصف الدلالة على أن المراد بها حجارة معينة مخصوصة لتعذيب الظالمين.
قال صاحب الكشاف : وهذا أسلوب من الجحود بليغ. يعنى إن كان القرآن هو الحق فعاقبنا على إنكاره بالسجيل كما فعلت بأصحاب الفيل ، أو بعذاب آخر. ومرادهم نفى كونه حقا ، وإذا انتفى كونه حقا لم يستوجب منكره عذابا ، فكان تعليق العذاب بكونه حقا ، مع اعتقاد أنه ليس بحق كتعليقه بالمحال في قولك : إن كان الباطل حقا فأمطر علينا حجارة من السماء.
فإن قلت : ما فائدة قوله (مِنَ السَّماءِ) والأمطار لا تكون إلا منها؟
قلت : كأنهم يريدون أن يقولوا : فأمطر علينا السجيل وهي الحجارة المسومة للعذاب ، فوضع حجارة من السماء موضع السجيل.
وعن معاوية أنه قال لرجل من سبأ : ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة ، فقال الرجل : أجهل من قومي قومك ، فقد قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حين دعاهم إلى الحق : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ...) ولم يقولوا : إن كان هذا هو الحق فاهدنا له (٢).
ولقد كان هذا الرجل حكيما في رده على معاوية ، لأنه كان الأولى بأولئك المشركين أن يقولوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ووفقنا لاتباعه .. ولكن العناد الجامح الذي استولى عليهم جعلهم يؤثرون الهلاك على الإذعان للحق ويفضلون عبادة الأصنام على اتباع محمد صلىاللهعليهوسلم الذي دعاهم إلى عبادة الله وحده .. وهكذا النفوس عند ما تنغمس في الأحقاد وتتمادى في الجحود. وتنقاد للأهواء والشهوات ، وتأخذها العزة بالإثم. ترى الباطل
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٤٢.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢١٦.