موتهم ذلك كان عقوبة لهم فبعثوا من بعد الموت ليوفوا آجالهم (١).
***
وعلى غرارهما مشى الثعلبي في تفسيره للآيات ، قال في قوله تعالى :
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) الآية : وذلك أنّ الله أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ، فاختار سبعين رجلا من خيارهم ، وقال لهم : صوموا وتطهّروا وطهّروا ثيابكم ، ففعلوا ذلك ، فخرج بهم موسى إلى طور سيناء لميقات ربّه ، فلمّا وصل ذلك الموضع قالوا : اطلب لنا نسمع كلام ربّنا ، فقال : أفعل ، فلمّا دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام وتغشّى الجبل كلّه فدخل في الغمام وقال للقوم : ادنوا ، وكان موسى إذا كلّمه ربّه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد أن ينظر إليه ، فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتّى دخلوا في الغمام وخرّوا سجّدا ، وسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه ، وأسمعهم الله تعالى : إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا ذو بكّة (٢) أخرجتكم من أرض مصر فاعبدوني ولا تعبدوا غيري. فلمّا فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم ، فقالوا له : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) : (معاينة. وذلك أنّ العرب تجعل العلم بالقلب رؤية ، فقال : جهرة ، ليعلم أنّ المراد منه العيان) (٣).
(فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) وهي نار جاءت من السماء فأحرقتهم جميعا.
وقال وهب : أرسل الله عزوجل عليهم جندا من السماء فلمّا سمعوا بحسّها ماتوا يوما وليلة. والصاعقة : المهلكة ، فذلك قوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ) لن نصدّقك (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً).
قرأه العامّة بجزم الهاء ، وقرأ ابن عبّاس : «جهرة» بفتح الهاء ، وهما لغتان مثل زهرة وزهرة.
(جَهْرَةً) أي معاينة بلا ساتر بيننا وبينه ، وأصل الجهر من الكشف. قال الشاعر :
يجهر أجواف المياه السّدّم (٤)
(فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) قرأ عمر وعثمان وعليّ : «الصعقة» بغير ألف ، وقرأ الباقون (الصَّاعِقَةُ) بالألف وهما لغتان.
__________________
(١) ابن أبي حاتم ١ : ١١٢ / ٥٣٧ ـ ٥٤٤. وهكذا ورد في تفسير عبد الرزّاق : «ليكملوا بقيّة آجالهم» (١ : ٢٧٠ / ٥٣.
(٢) أي ذو قوّة.
(٣) التكميل من البغوي ١ : ١١٩.
(٤) والسدّم : المندفن تحت الأرض.