قد هزئت مني أمّ طيسله |
|
قالت أراه معدما لا شيء له (١) |
يعني بقوله : قد هزئت : قد سخرت ولعبت. ولا ينبغي أن يكون من أنبياء الله فيما أخبرت عن الله من أمر أو نهي هزو أو لعب. فظنّوا بموسى أنّه في أمره إيّاهم عن أمر الله تعالى ذكره بذبح البقرة عند تدارئهم في القتيل إليه أنّه هازىء لاعب ، ولم يكن لهم أن يظنّوا ذلك بنبيّ الله ، وهو يخبرهم أنّ الله هو الذي أمرهم بذبح البقرة. وحذفت الفاء من قوله : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) وهو جواب ، لاستغناء ما قبله من الكلام عنه ، وحسن السكوت على قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) فجاز لذلك إسقاط الفاء من قوله : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) كما جاز وحسن إسقاط من قوله تعالى : (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا)(٢) ولم يقل : فقالوا إنّا أرسلنا ، ولو قيل : «فقالوا» ، كان حسنا أيضا جائزا ، ولو كان ذلك على كلمة واحدة لم تسقط منه الفاء ؛ وذلك أنّك إذا قلت : قمت وفعلت كذا وكذا ولم تقل : قمت فعلت كذا وكذا ، لأنّها عطف لا استفهام يوقف عليه ، فأخبرهم موسى إذ قالوا له ما قالوا إنّ المخبر عن الله ـ جلّ ثناؤه ـ بالهزء والسخريّة من الجاهلين وبرّأ نفسه ممّا ظنّوا به من ذلك ، فقال : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) يعني من السفهاء الّذين يروون عن الله الكذب والباطل. وكان سبب قيل موسى لهم : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً :)
__________________
(١) نسبه القالي في أماليه (٢ : ٢٨٤) لأعرابي. وفي الحاشية : في كتاب مجموع أشعار العرب المشتمل على الأصمعيات أنّ القصيدة لصخير بن عمير التميمي. ورواية القالي :
تهزأ منّي أخت آل طيسله |
|
قالت أراه مبلّطا لا شيء له |
وبعده :
وهزئت من ذاك أمّ موءله |
|
قالت أراه دالفا قد دني له |
مالك لا جنّبت تبريح الوله |
|
مردودة أو فاقدا أو مثكله |
إلى تتمّة الأبيات ، وهي ٢١ بيتا.
قال أبو علي القالي : طيسلة : اسم. والمبلط : الفقير ، يقال : أبلط الرجل فهو مبلط. وقال الأصمعي : أبلط فهو مبلط إذا لصق بالبلاط وهي الأرض الملساء.
ورواية اللسان (مادّة طسل) للبيت :
تهزأ منّي أخت آل طيسله |
|
قالت أراه في الوقار والعله |
(٢) الحجر ١٥ : ٥٧ ـ ٥٨.