هو الذي قد بيّنا أنّه المورث صاحبه ذلّة وهوانا الذي يخلد فيه صاحبه لا ينتقل من هوانه إلى عزّ وكرامة أبدا ، وهو الذي خصّ الله به أهل الكفر ؛ وأمّا الذي هو غير مهين صاحبه : فهو ما كان تمحيصا لصاحبه ، وذلك هو كالسارق من أهل الإسلام يسرق ما يوجب به القطع فتقطع يده ، والزاني منهم يزني فيقام عليه الحدّ ، وما أشبه ذلك من العذاب والنكال الذي جعله الله كفّارات للذنوب ، وكأهل الكبائر من أهل الإسلام الّذين يعذّبون في الآخرة بمقادير أجرامهم التي ارتكبوها ليمحّصوا من ذنوبهم ثمّ يدخلون الجنة ، فإنّ كلّ ذلك وإن كان عذابا فغير مهين لمن عذّب به ، إذ كان تعذيب الله إيّاه به ليمحصّه من آثامه ثمّ يورده معدن العزّ والكرامة ويخلده في نعيم الجنان. (١)
***
[٢ / ٢٧١٤] وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن مقاتل بن حيّان قوله : (عَذابٌ مُهِينٌ) يعني بالمهين : الهوان (٢).
[٢ / ٢٧١٥] وأخرج الترمذي وأحمد بالإسناد إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذرّ في صور الناس ، يغشاهم الذلّ من كلّ مكان ، فيساقون إلى سجن في جهنّم يسمّى «بولس» (٣) تعلوهم نار الأنيار (٤) ، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال». قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن صحيح (٥). (٦)
[٢ / ٢٧١٦] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ قال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) يعني اليهود منهم أبو ياسر والنعمان بن أوفى (آمِنُوا) يعني صدّقوا (بِما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن على محمّد (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) يعني التوراة (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) يعني بما بعد التوراة : الإنجيل والفرقان. (٧)
__________________
(١) الطبري ١ : ٥٨٦ ـ ٥٨٨.
(٢) ابن أبي حاتم ١ : ١٧٤ / ٩١٨.
(٣) هكذا جاء في الحديث اسما خاصّا لموضع في جهنّم. ولعلّه مأخوذ من الإبلاس وهو اليأس من رحمة الله. يقال : أبلس إذا يئس من رحمة الله. ومنه إبليس اسما للشيطان الرجيم. ويقال : أبلس الرجل إذا قلّ خيره ، وانكسر وحزن.
(٤) قال ابن الأثير : لم أجده مشروحا. ولكن هكذا يروى فإن صحّت الرواية فيحتمل أن يكون معناه : نار النيران ، فجمع على أنيار. وأصلها أنوار ، لأنّها من الواو. كما جاء في ريح أرياح وفي عيد أعياد وهما من الواو.
(٥) الترمذي ٤ : ٦٦ ـ ٦٧ / ٢٦١٠ ، باب ٤٧ من كتاب صفة القيامة الحديث الثاني.
(٦) ورواه أحمد في المسند ٢ : ١٧٩ ، باختلاف يسير. وهكذا ابن كثير في التفسير ١ : ١٣٠.
(٧) تفسير مقاتل ١ : ١٢٣.