ثانيها ما ورد في ذلك مما تجوزه العقول ولا يأباه الأصول فنحن نجوزه ثم نقطع على أن ذلك كان في يقظته نحو ما روي أنه طاف في السماوات ورأى الأنبياء والعرش وسدرة المنتهى والجنة والنار وثالثها ما يكون ظاهره مخالفا لبعض الأصول إلا أنه يمكن تأويله على وجه يوافق المعقول فالأولى أن ناوله على ما يطابق الحق نحو أنه رأى قوما في النار يعذبون وقوما في الجنة فرحين فيحمل على أنه رأى صفتهم وأسماءهم ورابعها ما لا يصح ظاهره ولا يمكن تأويله إلا على التعسف البعيد فالأولى أن لا نقبله نحو أنه كلم الله جهرة ورآه وقعد على سريره وأنه شق بطنه وغسل ثم إن الناس مختلفون في المعراج فالخوارج ينكرونه وقالت الجهمية عرج بروحه دون جسمه على طريق الرؤيا وقالت المعتزلة بل عرج بروحه وجسمه إلى بيت المقدس وقال أصحابنا وجميع أصحاب الحديث والتأويل والجبائي والطوسي بل عرج بروحه وبجسمه إلى السماوات حتى بلغ سدرة المنتهى في السماء السابعة والذي يشهد به القرآن أن الإسراء من المسجد الحرام إلى بيت المقدس والباقي يعلم بالخبر.
قوله سبحانه :
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) وهل الجحد بآياته إلا تكذيب نبيه نفى تكذيبهم بقلوبهم تدينا واعتقادا وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب كما قال (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قال أبو زيد المدني لقي أبو جهل النبي ص فصافحه أبو جهل فقيل له في ذلك فقال والله أعلم أنه نبي ولكن متى كنا تبعا لبني عبد مناف فأنزل الله الآية وقال الأخنس وقد سئل عن النبي بالسر والله إن محمدا لصادق وما كذب قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوة ما ذا يكون لقريش فإنهم لا يكذبونك لا يفعلون ذلك بحجة ولا يتمكنون من إبطال ما جئت به يقال فلان لا يستطيع أن يكذبني ولا يدفع قولي لا يكذبونك لا يلقونك متقولا كما تقول قاتلته فما أحييته وحادثته فما أكذبته قال الكسائي أي لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به لأنه كان عندهم أمينا قوله (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) ولم يقل وكذب قومك المعنى في قوله (لا يُكَذِّبُونَكَ) إن تكذيبك راجع إلي وعائد علي ولست المختص به لأنه رسول الله فمن كذبه كذب الله لا يكذبونك في