إذا ورد : «العنب إذا غلى يحرم» كان العنب بحسب (١) ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب ؛ ولكن (٢) العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم ويتخيلونه من (٣) المناسبات بين الحكم وموضوعه يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب ، ويرون العنبية والزبيبية من حالاته المتبادلة (٤) ؛ ...
______________________________________________________
وأما بحسب النظر الثانوي العمقي : يرى أن الموضوع ذات العنب ، وليست العنبية مقوّمة للموضوع ؛ بل من حالاته المتبادلة والوسائط الثبوتية ، فهذا الجسم موضوع سواء كان في حال الرطوبة وهو المسمى بالعنب ، أم في حال الجفاف وهو المسمى بالزبيب ، فمعنى الموضوع العرفي حينئذ هو : أن العرف مرجع في تمييز ما هو مقوّم للموضوع عما ليس مقوّما له ، ومعنى الموضوع الدليلي هو الرجوع إلى العرف في معنى الكلام ومعرفة ظاهره.
وببيان آخر : أن للعرف نظرين :
أحدهما : بما هو من أهل المحاورة ، وبهذا النظر يرجع إليه في تحديد الموضوع الدليلي.
وثانيهما : بما ارتكز في ذهنه من المناسبة بين الحكم وموضوعه وإن كان على خلاف ظاهر الكلام ، وهذا النظر الثاني هو مناط الاتحاد في الاستصحاب دون النظر الأول.
فإذا ورد «الماء المتغير نجس» فظاهر الدليل الشرعي بحسب النظر البدوي العرفي هو كون الموضوع للنجاسة الماء بوصف كونه متغيرا ؛ لكن المرتكز في ذهن العرف من المناسبات هو كون معروض النجاسة ذات الماء ، وأن التغيّر واسطة في الثبوت ، كما أن ملاقاة الماء القليل للنجاسة واسطة ثبوتية في انفعاله ، وبعد زوال التغيّر بنفسه والشك في بقاء نجاسته لا مانع من استصحابها ؛ لبقاء موضوعها وهو نفس الماء ، والشك نشأ من احتمال كون التغيّر علة حدوثا فقط أو حدوثا وبقاء. وهذا الفرق ما أفاده المصنف في الحاشية بعد سؤال الفرق بين الموضوع العرفي والدليلي فراجع.
(١) يعني : كان العنب بحسب الموضوع الدليلي الذي يفهمه العرف بدوا هو خصوص العنب وإن تغير بعد ذلك لأجل المناسبات.
(٢) هذا إشارة إلى دفع توهم وهو : أنه كيف يكون الموضوع العرفي مغايرا لموضوع الدليل؟ مع أن المرجع في فهم معنى الدليل هو العرف أيضا ، وقد تقدم دفع هذا التوهم.
(٣) بيان ل «ما» الموصول.
(٤) أي : الحالات التي لا يوجب انتفاؤها ارتفاع الموضوع ، بخلاف أوصافه المقوّمة التي يوجب زوالها انتفاء الموضوع.