وخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله «عليهالسلام» : «إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة ، فموسع عليك حتى ترى القائم فتردّ عليه» (*) (١).
ومكاتبة عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن «عليهالسلام» : (اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله «عليهالسلام» في ركعتي الفجر ، فروى بعضهم : صلّ في المحمل ، وروى بعضهم : لا تصلّها إلّا في الأرض. فوقع «عليهالسلام» «موسع عليك بأيّة عملت» (**) (٢).
______________________________________________________
اللذين رواهما ثقتان ، فأجاب «عليهالسلام» بالتوسعة في العمل بكل منهما.
والظاهر : أن منشأ السؤال الثاني هو موافقة الخبرين لعمومات الكتاب والسنة ؛ بحيث لم يكن العرض على الكتاب والسنّة كافيا لتمييز الحجة عن اللاحجة.
فإن قلت : هذا الخبر يدل على التخيير بعد فقد المرجح لا على التخيير المطلق ، فمع وجود الشباهة بالكتاب والسنة في أحدهما خاصة لم يحكم «عليهالسلام» بالسعة ؛ بل بحجيّة خصوص المشابه بهما.
قلت : ليس كذلك ، فإن دلالة الخبر على التخيير المقيد بعدم المرجح مبنية على كون موافقة الكتاب من المرجحات ، وسيأتي من المصنف منع ذلك ، وأن موافقة الكتاب من وجوه تمييز الحجة عن اللاحجة ؛ بحيث لا مقتضى لحجيّة الخبر المخالف ، وحيث إن كلا الخبرين ـ في مفروض السؤال ـ موافق الكتاب فالمقتضي لحجيتهما موجود ، ويكون حكمه «عليهالسلام» بالتخيير مطلقا لا مقيدا بفقد المرجح.
(١) دلالة هذا الخبر على التخيير ـ حتى لو فرض وجود المرجح في أحد المتعارضين ـ واضحة ؛ لأن موضوع الحكم بالتوسعة في حجيّة الخبرين المتعارضين هو مجيء الثقات بأحاديث تتضمن أحكاما مختلفة يتعذر الأخذ بها ، والحكم هو التخيير في الأخذ بأيّ منهما شاء.
لكن هذا التخيير الظاهري ينتهي بظهور الإمام الحجة «عليهالسلام» ، فإذا ظهر «عليهالسلام» ارتفع هذا الحكم الظاهري كسائر الأحكام الظاهرية ، فإنه يحكم بالواقع وببطون القرآن.
(٢) وتقريب الدلالة : أن أحد الخبرين ظاهر في شرطية الاستقرار في النافلة كالفريضة ، والخبر الآخر ظاهر في عدم اعتبار الاستقرار والأجزاء في حال السيرة ،
__________________
(*) الاحتجاج ٢ : ١٠٨ ، الوسائل ٢٧ : ١٢٢ / ٣٣٣٧٤.
(**) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٢٨ / ٥٨٣ ، الوسائل ٤ : ٣٣٠ / ٥٣٠٢.