فإذا لم أسجد فَلِمَ لعنني وأخرجني من الجنّة ؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لم أرتكب قبيحاً إلاّ قولي : لا أسجد إلاّ لك ؟
الخامس : إنّه إذ خلقني وكلّفني مطلقاً وخصوصاً فلم أطع فلعنني وطردني فلِمَ طرّقني إلى آدم حتّى دخلت الجنّة ثانياً ، وغررت آدم وحوّاء حتّى أكلا من الشجرة وأخرجهما من الجنّة ؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو منعني من دخول الجنّة لاستراح آدم منّي وبقي خالداً في الجنّة ؟
السادس : إنّه إذ خلقني وكلّفني عموماً وخصوصاً ولعنني وطردني ، ثمّ طرّقني إلى الجنّة ، وكانت الخصومة بيني وبين آدم فَلِمَ سلّطني على أولاده هذا النحو من التسلّط الكامل ؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو خلقهم على الفطرة دون من يحتالهم (١) عنها ، فيعيشوا سامعين مطيعين طاهرين ، كان أليق بالحكمة ؟
السابع : سلّمت هذه كلّها لِمَ إذا استمهلته أمهلني ؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو أهلكني في الحال استراح منّي الخلق ، وما بقي شرّ في العالم ؟ أليس بقاء العالم على نظام الخير خيراً من امتزاجه بالشرّ ؟ (٢) .
قال الشهرستاني : قال شارح الإنجيل : إنّ اللّه أوحى إلى الملائكة قولوا له : أمّا تسليمك الأوّل أنّي إلهك وإله الخلق ، فأنت فيه غير صادق ولا مخلص ؛ إذ لو صدقت في ذلك ما حكمت عليَّ بـ (لِمَ) فأنا اللّه الذي لا إله إلاّ أنا لا اُسأل عمّا أفعل والخلق مسؤولون (٣) .
أقول : ليس المراد بهذا الكلام ما توهّمه الأشاعرة (٤) والجبريّة من أنّ
__________________
(١) في «ش» : يختالهم .
(٢) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٦ ـ ١٨ .
(٣) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٨ .
(٤) الأشاعرة أو الأشعرية : فرقة معروفة ، أصحاب أبي الحسن الأشعري ، من آرائهم : أنّ