عاون كلّ فريق حلفاءه ، في القتل وتخريب الدّيار وإجلاء أهلها. وإذا أسر أحد من الفريقين ، جمعوا الأسراء حتّى يفدوهم بمثلهم ممّن أسره الفريق الآخر منهم ، تصديقا لما في التوراة. فالأوس والخزرج ، أهل شرك. يعبدون الأوثان. لا يعرفون جنّة ولا نار ولا قيامة ولا كتابا. فأنّب الله اليهود ، بما فعلوه من مخالفة التوراة ، في القتل والإجلاء والموافقة في المفاداة.
وقيل (١) : معناه : وإن يأتوكم أسارى في أيدي الشّياطين ، تتصدّون لإنقاذهم بالإرشاد والوعظ ، مع تضييعكم أنفسكم ، كقوله تعالى : (٢) (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ).
والأوّل أقرب ، بحسب اللّفظ ، وسياق الكلام.
وقرأ حمزة (٣) : أسرى. وهو جمع أسير ، كجريح وجرحى. وأسارى جمعه ، كسكرى وسكارى. وقيل : هو ـ أيضا ـ جمع أسير. وكأنّه شبّه بالكسلان وجمع جمعه.
ووجه الشّبه : أنّ كّلا منهما ، محبوس عن كثير من تصرّفه.
وقيل (٤) : الأسارى : الّذين هم في الوثاق. والأسرى : الّذين هم في اليد. وإن لم يكونوا في الوثاق.
وقرئ (٥) : تفدوهم.
(وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) :
متعلّق بقوله (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) ، تعلّق الحال بعاملها ، أو صاحبها.
والنكتة في إعادة تحريم الإخراج. وقد أفاده (لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ) بأبلغ وجه. وفي تخصيص تحريم الإخراج بالإعادة دون القتل ، أنّهم انقادوا حكما في باب المخرج. وهو الفداء. وخالفوا حكما. وهو الإخراج. فجمع مع الفداء ، معرفة الإخراج ، ليتّصل به قوله «أفتؤمنون» (إلى آخره) ، أشدّ اتصال. ويتّضح كفرهم بالبعض ، وإيمانهم بالبعض ، كمال الاتّضاح ، حيث وقع في حقّ شخص واحد.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٧.
(٢) البقرة / ٤٤.
(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.
(٤) مجمع البيان ١ / ١٥٣.
(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.