فحمل معه وقر مال لينفقه في ذلك. فلمّا انطلق في طلبه ، لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوّة ولا منعة. فأخذه صاحبنا ليقتله. فدفع عنه جبرئيل. وقال لصاحبنا : إن كان ربّكم هو الّذي أمر بهلاككم ، فإنّه لا يسلّطك عليه. وإن لم يكن هذا ، فعلى أيّ شيء تقتله؟
فصدّقه صاحبنا. وتركه. ورجع إلينا. وأخبرنا بذلك. وقوى بخت نصر. وملك قرانا. وخرّب بيت المقدس. فلهذا نتّخذه عدوّا. وميكائيل عدوّ لجبرئيل.
فقال سلمان : يا بن صوريا! بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم. أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر؟ وقد أخبر الله تعالى ، في كتبه ، على ألسنة رسله ، أنّه يملك ويخرّب بيت المقدس. أرادوا بذلك تكذيب أنبياء الله في أخبارهم؟ أو اتّهموهم في إخبارهم؟ وصدّقوهم في الخبر عن الله؟ ومع ذلك أرادوا مغالبة الله؟ هل كان هؤلاء ومن وجوه ، إلا كفّار بالله؟ وأيّ عداوة يجوز أن تعتقد لجبرئيل وهو يصدّ به عن مغالبة الله ـ عزّ وجلّ ـ وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى؟
فقال ابن صوريا : قد كان الله أخبر بذلك على ألسن أنبيائه. ولكنّه يمحو ما يشاء ويثبت.
قال سلمان : فإذا لا يتّقنوا بشيء ممّا في التّوراة ، من الأخبار عمّا مضى وما يستأنف ، فإنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت. وإذا لعلّ الله قد كان عزل موسى وهارون عن النّبوّة. وأبطلا في دعواهما؟ لأنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت. ولعلّ كلّما أخبراكم أنّه يكون ، لا يكون. وما أخبراكم أنّه لا يكون ، يكون. وكذلك ما أخبراكم عمّا كان ، لعلّه لم يكن.
وما أخبراكم أنّه لم يكن ، لعلّه كان. ولعلّ ما وعده من الثّواب ، يمحوه. ولعلّ ما توعّد به من العقاب ، يمحوه. فإنّه يمحو ما يشاء ويثبت. إنّكم جهلتم معنى (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) فلذلك أنتم بالله كافرون. ولإخباره عن الغيوب مكذّبون وعن دين الله منسلخون.
ثم قال سلمان : إنّي أشهد أنّ من كان عدوّا لجبرئيل ، فإنّه عدوّ لميكائيل. وإنّهما جميعا عدوّان لمن عادهما. سلمان لمن سالمهما.
فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ)» في مظاهرته لأولياء الله على أعداء الله ، ونزوله بفضائل عليّ وليّ الله من عند الله ، (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ) ، فإن جبرئيل نزّل هذا القرآن (عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) ، بأمره ، (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من سائر كتب الله ، «وهدى» من الضلالة ، (وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) بنبوّة محمّد وولاية عليّ و