أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا؟ فقال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا ارى ان يعود الى هذه الأرض التي توبق دينه». والتقريب فيها ان الجنابة فيها أعم من الاحتلام وقد امره بالتيمم والحال هذه ولم ينكر عليه ذلك.
و (ثانيها) ـ ما عرفت من استفاضة الآيات والروايات بعدم تكليفه سبحانه بما يؤدي الى الحرج والضرر ، وقد استفاضت الاخبار عنهم (عليهمالسلام) بان ما خالف كتاب الله يضرب به عرض الحائط وانه زخرف (١) ولا ريب في مخالفة هذه الأخبار لظاهر الكتاب والسنة المستفيضة فيجب الاعراض عنها وإرجاعها إلى قائلها.
و (ثالثها) ـ انه لا يخفى على من نظر في التكاليف الشرعية بعين التحقيق وتأمل فيها بالفكر الصائب الدقيق انه يعلم منها علما جازما لا يخالجه الريب ولا يتطرق اليه العيب ان اعتناء الشارع بالأبدان ورعايته لها مقدمة على رعاية الأديان ، وانه لا يكلف العبد إلا ما يدخل تحت قدرته ووسعه بل دون ذلك ، ألا ترى انه أوجب على المسافر القصر رعاية لمشقة السفر وأوجب على المتضرر بالماء الانتقال الى التيمم وأوجب على المتضرر بالقيام في الصلاة القعود وبالقعود الاضطجاع وعلى المتضرر بالصيام الإفطار ، الى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع ، وكل ذلك منه عن شأنه رعاية للبدن ومحافظة عليه من الضرر ، وجميع هذه الحالات التي نقلهم إليها ربما يطيقون القيام بالحالات التي قبلها إلا انه لما فيها من المشقة والعسر نقلهم عنها الى ما لا مشقة فيه أو ما هو أهون مشقة لطفا بهم وعناية لهم ، ويعضد ما ذكرناه من هذه المقالة جملة من الأخبار الواضحة المنار الساطعة الأنوار ، ومنها ـ موثقة محمد بن علي الحلبي المروية في كتاب التوحيد عن الصادق (عليهالسلام) (٢) قال : «ما أمر العباد إلا بدون سعتهم وكل شيء أمر الناس بأخذه فهم متسعون له وما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم ولكن
__________________
(١) رواها في الوسائل في الباب ٩ من صفات القاضي وما يقضى به.
(٢) في الباب ٥٥ وهو باب الاستطاعة.