فإن القرآن نزل عليهم ومعانيه منهم تؤخذ ـ «ما يُرِيدُ اللهُ» بفرض الطهارات وإيجابها «لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ» ضيق «وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ» من الأحداث والذنوب فإن الطهارة كما انها رافعة للاحداث فهي أيضا مكفرة للذنوب «وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ» بهذا التطهير وإباحته لكم التيمم وتصييره الصعيد الطيب طهورا لكم رخصة مع سوابغ نعمه التي أنعمها عليكم «لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» نعمته بإطاعتكم إياه فيما يأمركم به وينهاكم عنه.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان تحقيق الكلام في هذا الباب يقتضي بيان الأسباب المسوغة للتيمم من الأعذار المانعة من استعمال الماء وما يجوز به التيمم وما لا يجوز وبيان كيفية التيمم ووقته وبيان أحكامه المتعلقة به وحينئذ فههنا مطالب خمسة :
(المطلب الأول) ـ فيما يسوغ معه التيمممن الأسباب الموجبة لذلك ، وانها ها في المنتهى الى ثمانية وهي فقد الماء والخوف من استعماله والاحتياج اليه للعطش والمرض والجرح وفقد الآلة التي يتوصل بها الى الماء والضعف عن الحركة وخوف الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة وضيق الوقت عن استعمال الماء ، ويمكن إرجاع هذه الثمانية إلى ثلاثة كما اقتصر عليه في الشرائع وهي عدم الماء وعدم الوصلة اليه والخوف ، بل يمكن إرجاع الجميع إلى أمر واحد كما ذكره في الذكرى وهو العجز عن الماء ، وله أسباب يتوقف تفصيلها على رسم مسائل :
(الاولى) ـ في عدم وجوده ، ويدل عليه مضافا الى الآية المتقدمة الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن محمد بن حمران وجميل بن دراج (١) قالا : «قلنا لأبي عبد الله (عليهالسلام) امام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال لا ولكن يتيمم الجنب ويصلي بهم فان الله تعالى قد جعل التراب طهورا» وزاد في التهذيب (٢) «كما جعل
__________________
(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب التيمم.