انه محمول على الفرد الأكمل منهما ولهذا صرح أصحابنا باستحباب التيمم من الربى والعوالي ـ «فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ» الباء للتبعيض هنا كما سيأتيك التصريح به ان شاء الله تعالى في صحيحة زرارة الآتية ، وحينئذ فتدل الآية على ان الواجب المسح ببعض الوجه وبعض اليدين كما هو القول المشهور المعتضد بالأخبار الكثيرة ، خلافا لمن أوجب مسح الجميع كعلي بن بابويه أو خير بين الاستيعاب وبين التبعيض كما ذهب إليه في المعتبر وتبعه صاحب المدارك أو استحباب الاستيعاب كما مال إليه في المنتهى ، فان الجميع ـ كما ترى ـ مخالف لظاهر الآية ، والقول بالاستيعاب وان دل عليه بعض الاخبار ولهذا اضطربوا في الجمع بينها وبين اخبار القول المشهور إلا انه قد تقرر في القواعد المروية عنهم (عليهمالسلام) عرض الأخبار المختلفة على الكتاب العزيز والأخذ بما وافقه وطرح ما خالفه ، وهذه الاخبار الدالة على الاستيعاب مخالفة للآية فيجب طرحها ، وبذلك يظهر لك بطلان هذه الأقوال المتفرعة عليها ـ «منه» اختلفوا في معنى «من» هنا فقيل انها لابتداء الغاية والضمير عائد إلى الصعيد والمعنى ان المسح يبتدئ من الصعيد أو من الضرب عليه ، وقيل انها للسببية وضمير «منه» للحدث المفهوم من الكلام السابق كما يقال تيممت من الجنابة وكقوله سبحانه «مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا ...» (١) وقول الشاعر «وذلك من نبإ جاءني» وقول الفرزدق «يغضي حياء ويغضى من مهابته» وقيل انها للتبعيض والضمير للصعيد كما يقال أخذت من الدراهم وأكلت من الطعام ، وهذا هو المنصوص في صحيحة زرارة الآتية ، وقيل إنها للبدلية كما في قوله تعالى : «أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ» (٢) وقوله سبحانه : «... لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» (٣) وحينئذ فالضمير يرجع الى الماء والمعنى فلم تجدوا ماء فتيمموا بالصعيد بدل الماء ، وهذا المعنى لا يخلو من بعد ، والمعتمد منها ما ورد به النص الصحيح عنهم (عليهمالسلام)
__________________
(١) سورة نوح. الآية ٢٥.
(٢) سورة التوبة. الآية ٣٨.
(٣) سورة الزخرف. الآية ٦٠.