آخرون ايضا انه لا فرق في هذا الحكم بين المحتلم وبين من أجنب في المسجد أو دخله جنبا لاشتراك الجميع في العلة وهو تحريم قطع شيء من المسجد جنبا مع إمكان الطهارة وعدم تعقل الفرق بين المحتلم وغيره. ويرد عليه ان مقتضى الأخبار تحريم لبث الجنب في المسجد خرج منه المحتلم بالنصوص المتقدمة وبقي ما عداه مندرجات تحت عموم الأخبار المذكورة ، وما ذكر من العلة ليس من قبيل العلة المنصوصة أو مفهوم الموافقة حتى يجب انسحاب الحكم الى ما ذكروه بناء على القول بذلك فيكون من باب القياس حينئذ ، وعدم تعقل الفرق كما ذكره لا يدل على العدم واقعا ، ولو أمكن التيمم في أثناء الخروج من غير استلزام لزيادة الكون قيل لا يبعد وجوبه لقطع بقية الطريق. وفيه تأمل.
(الثالث) ـ هل تلحق بالجنب الحائض في هذا الحكم؟ الظاهر نعم وفاقا لجملة من الأصحاب لمرفوعة أبي حمزة المتقدمة ، وأنكر ذلك المحقق في المعتبر لقطع الرواية ولانه لا سبيل لها إلى الطهارة بخلاف الجنب ، ثم حكم بالاستحباب. واعترضه في الذكرى بأنه اجتهاد في مقابلة النص وبالمعارضة باعترافه بالاستحباب. وأجاب عنه في الروض بان المحقق طعن في الرواية بالقطع فلا حجة فيها فيرجع الى الاجتهاد ويصح استناد الاستحباب إلى الرواية للتسامح في دلائل السنن.
أقول : ومرجع هذا الاعتذار الى ان الرواية وان ضعفت بالقطع عن الدلالة على الوجوب إلا انها تصلح دليلا للاستحباب للتسامح في أدلة السنن. وهذه القاعدة وان اشتهرت في كلامهم إلا انها لا تخلو من المجازفة في أحكامه سبحانه ، لما علم من ان الاستحباب حكم شرعي كالوجوب والتحريم فيتوقف على الدليل الواضح وإلا كان من قبيل القول على الله سبحانه بغير علم ، وقد استفاضت الآيات القرآنية والأخبار المعصومية بالمنع عنه وحينئذ فالخبر الضعيف ان كان دليلا شرعيا وجب القول بما دل عليه من وجوب أو استحباب وإلا وجب طرحه والاعراض عنه في جميع الأبواب ، وقد تقدم في بحث الأغسال المستحبة من هذا الباب ما فيه زيادة تذكرة لاولى الألباب.