التاسعة عشر : صرح بعض الأصحاب بأنه لو استأجره لعمل من الأعمال كالكتابة والخياطة ونحوهما من الأعمال التي يختلف فيهما العمال بالجودة والحسن وعدمهما والسرعة والبطؤ ونحوهما ، فإنه لا يصح جعل الإجارة مطلقة بأن يكون في الذمة ، بمعنى تحصيل العمل بمن شاء لما يعلم من الاختلاف الكثير بين العمال فيما ذكرناه ، فيتجهل العمل ويحصل الغرر ، بل يجب تعيين العامل سواء كان هو المؤجر أو غيره ، إذا أمكن حصول النفقة منه ، للانضباط بذلك وارتفاع الغرر ، وكذا يجب تعيين الضائع إذا استأجره مدة ، بمعنى أن يعمل له هذا العمل في مدة محدودة بلا زيادة ولا نقيصة ، لأنه مع الإطلاق وتفاوت العمال في السرعة والبطؤ واختلافهم في ذلك كثيرا يحصل الغرر أيضا ، وبتعيين العامل ومعرفة ما هو عليه من السرع والبطؤ في عمله يزول ذلك.
ولو استأجره على عمل معين كنسخ هذا الكتاب المعين وخياطة هذا الثوب المخصوص ، فإنه من حيث كون المانع ما ذكرنا أولا هو اختلاف الصناع في السرعة والبطؤ الموجب للزيادة في العمل والنقيصة ، فإن الظاهر أنه تصح الإجارة في هذه الصورة المفروضة ، لأن هذا الاختلاف غير قادح هنا ، فان الغرض حصول هذا العمل المعين ، أما من حيث كون المانع هو تفاوتهم في الصنعة وبالجودة ، والرداءة ، فإنه لا يصح هنا بل لا بد من تعيين الصانع ليرتفع هذا الغرر.
قال في المسالك بعد ذكر المصنف أصل المسئلة : وهذه المسئلة قل من تعرض لها غير المصنف ، نعم ذكرها الشافعي في كتبهم.
أقول : قد عرفت آنفا أن أكثر هذه التعريفات في الكتب المتقدمة والآتية وان وقعت من الشيخ والمرتضى والعلامة وغيرهم ، الا أنها كلها مأخوذة من كتب العامة أخذوا منها ما استحسنوه ، وكتب متقدمي أصحابنا إنما اشتملت على مجرد نقل الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال تلك الديار ، والله سبحانه العالم.