مع عدم البينة هو المشهور ، بل ادعى عليه الإجماع ، والروايات مختلفة ، والأقوى أن القول قولهم مطلقا ، لأنهم أمناء ، وللأخبار الدالة عليه ، ويمكن الجمع بينها وبين ما دل على الضمان بحمل تلك على ما لو فرطوا أو أخروا المتاع عن الوقت المشترط ، كما دل عليه بعضها ، انتهى.
أقول : لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه بعد الإحاطة بما قدمنا تحقيقه في المسئلة المذكورة ، وذلك فان روايات المسئلة بعد حمل مجملها على مفصلها ومطلقها على مقيدها ، لا تخرج عن ثلاثة أقسام ، فقسم منها تضمن أن كل ما جنته يد الصانع والعامل سواء كان عن تفريط أم لا فهو ضامن ، وأن ذلك قاعدة كلية في كل من أعطى الأجر ليصلح ، فأفسد.
وقسم منها تضمن أن مع دعوى التلف فإنه يضمن ، إلا أن يقيم البينة أو يكون التلف ظاهرا مشهورا كالغرق والحرق والغارة ، ونحو ذلك.
وقسم منها تضمن أنه مع دعوى التلف فان كان ثقة مأمونا غير متهم ، فلا ضمان عليه ، وإلا فهو ضامن ، وكل من الأقسام الثلاثة اشتمل على روايات عديدة ، وليس فيها ما يدل على ما ادعاه وغيره ممن قال بهذا القول ، سوى رواية واحدة وهي صحيحة معاوية بن عمار (١) ، وقضية الجمع بين الأخبار تقييدها بما دلت عليه اخبار المسئلة ، كما ذكره الشيخ ، وبذلك يظهر لك ما في قوله أن القول قولهم بيمينهم وهو أشهر الروايتين ، فإنه ليس في أخبار المسئلة على كثرتها وتعددها سوى رواية معاوية بن عمار المذكورة ، فمن اين هذه الشهرة ، فإن أراد الروايات الواردة في غير هذه المسئلة كالواردة في الوديعة ونحوها مما يدل على ان الأمين لا يضمن ، وأن القول قوله ، فهو مسلم ولكن روايات هذه المسئلة خاصة ، وكلها على كثرتها متفقة على الضمان الا مع البينة ، أو ظهور الأمر ، أو كونه ثقة مأمونا ، وتلك الروايات مطلقة ، ومقتضى القاعدة تقديم العمل بهذه الروايات وتخصيص تلك
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ ص ٢٧٤ ح ١٤.