أصالة البراءة فإنما تكون حجة مع عدم دليل ناقل عنه ، لكنه موجود هنا بالعمومات الدالة على وجوب نفقة الأزواج ، والأصل عدم التخصيص ، وعلى كل حال فالأظهر بين الأصحاب هو القول الثاني كما أشار إليه المصنف ـ رحمهالله ـ» انتهى ، وهو جيد وجيه كما لا يخفى عن الفطن النبيه.
ولكنه ـ رحمة الله عليه ـ لمراعاة الشهرة في المسألة لم يصرح بالفتوى بما قاله ، وفي قوله «وكذا قول المحقق في المتن» إن ذلك يعني شرطية التمكين أو سببيته هو الأظهر بين الأصحاب ما يؤذن بالتردد ، بل المحقق قد صرح في متن عبارته بالتردد ، فقال «وفي وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين تردد ، أظهره بين الأصحاب وقوف الوجوب على التمكين» وهو ظاهر في بقائه على التردد ، لتخصيصه الأظهرية بالأصحاب ، ولم يذكر أن الأظهر عنده ذلك.
وبالجملة فالأظهر هو القول المخالف للمشهور ، فإنه هو المؤيد بالأدلة والمنصور ، وما عدل بمحمل من الضعف والقصور ، وتنقيح البحث في المسألة يتم برسم فوائد :
الأولى : قد صرحوا بأنه يظهر فائدة الخلاف المذكور في مواضع منها ما لو اختلفا في التمكين بأن ادعته المرأة وأنكره الزوج ، فإن قلنا إن التمكين سبب أو شرط فالقول قول الزوج ، وعلى المرأة البينة ، لأنها تدعي ما يخالف الأصل ، وإن قلنا إنها تجب بالعقد والنشوز مانع كان القول قولها لأن الأصل استمرار ما ثبت بالعقد ، وهو يدعي السقوط بالنشوز فعليه البينة.
ومنها ما لو لم يطالبها الزوج بالزفاف ، ولم تمنع هي منه ولا عرضت نفسها عليه ومضت لذلك مدة ، فإن اعتبرنا التمكين فلا نفقة لها لأنه لم يحصل من جانبها تمكين قولي ولا فعلي كما هو المفروض ، وإن قلنا إنها تجب بالعقد وتسقط بالنشوز وجبت النفقة ، إذ المفروض أنه لم يقع من جانبها امتناع يتحقق به النشوز.
أقول : لا يخفى ما في كلامهم في هذا التمكين الذي ادعوا شرطيته أو سببيته