أقول ـ وبالله تعالى التفهم لنيل كل مقصود ومأمول ـ : إن ما ذكره ـ قدسسره ـ في هذا المقام منظور فيه من وجوه :
الأول : قوله عزوجل «وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّا أَنْ يَخافا أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ». (١)
والتقريب في الآية المذكورة أنها صريحة الدلالة واضحة المقالة في عدم حل أخذه الفدية من المرأة إلا مع خوف عدم إقامة حدود الله سبحانه ، بأن يظهر لزوجها ما يدل على البغض والكراهة والنفرة منه ، وأنه إن لم يطلقها ارتكبت في حقه تلك الأفعال المحرمة كما سيأتي ذكرها في الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى ، وقضية ذلك أنه لا يجوز للزوج أخذ الفدية في الطلاق بعوض كالخلع إلا مع الكراهة ، ومع عدمها فلا يحل شيء من ذلك ، ولا يقع الطلاق بائنا كما سيأتي التصريح به في النصوص أيضا.
ولو قيل بأن الآية مفسرة في الأخبار بالخلع وأنه السبب في نزولها فلا تتناول الطلاق بعوض.
قلنا : قد عرفت فيما تقدم أن الرواية الدالة على سبب النزول إنما هي من طريق العامة ، فلا تقوم حجة ، ومع تسليم ورودها من طرقنا لا تدل على الاختصاص إذ العبرة بعموم اللفظ ، وإن كان الخلع أحد من أفرادها ، ولا ريب في دخول المبارأة تحت الآية المذكورة ، بل ظهور الآية فيها أقوى لما تضمنه من إسناد عدم إقامة الحدود إليهما معا ، وذلك إنما هو من شروط المبارأة ، ومن ثم حملها المحقق الأردبيلي في آيات الأحكام على المبارأة خاصة ، وهو وإن كان له وجه إلا أن كلام جملة المفسرين وتؤيده الأخبار على العدم.
وبالجملة فالنظر في الآية إلى عموم اللفظ ، والاستدلال إنما وقع من هذه
__________________
(١) سورة البقرة ـ آية ٢٢٩.