النية أمر آخر غير القصد الذي تقدم اعتباره في الصيغة الصريحة لأن المراد بالنية هنا قصد إيقاع الطلاق ، وهناك قصد لفظه لمعناه. وتحقيق الفرق أنه لما كان المعنى في اللفظ الصريح متحدا اكتفى بقصد اللفظ للمعنى بمعنى كون المتلفظ قاصدا قابلا للقصد ، وإن لم يصرح بالقصد ، ولهذا حكم عليه به بمجرد سماع اللفظ ، وإنما احترزوا باشتراط القصد عن مثل الساهي والنائم إذا أوقعا لفظا صريحا فإنه لا يعتد به لعدم القصد إلى مدلوله ، بخلاف الكناية فإن ألفاظها لما كانت مشتركة بين المقصود منها وهو الطلاق ونحوه لم تحمل عليه بمجرد قصده إلى المعنى لاشتراكه ، بل لا بد من القصد إلى بعض معانيه ، وهو الطلاق مثلا ، وهذا القصد على خلاف الأصل ، لأنه تخصيص المشترك بأحد معانيه ، فلا بد من العلم به ، وإلا لم يحكم عليه بالطلاق ولا غيره ، بخلاف الصريح ، فإن الأصل فيه إذا وقع من العاقل الخالي عن الموانع أن يكون قاصدا به مدلوله ، فهذا هو الفارق بين القصدين ، فتدبره ، فإنه من مواضع الاشتباه على كثير. انتهى ، وهو جيد رشيق ، وقد تقدم ما يؤكده ويعضده.
بقي هنا مواضع وقع الخلاف فيها (منها) ما لو قال : أنت مطلقة ، فظاهر الشيخ في المبسوط أنه يقع بها الطلاق مع النية ، قال في الكتاب المذكور : عندنا أن قوله أنت مطلقة إخبار عما مضى فقط ، فإن نوى به الإيقاع في الحال فالأقوى أن نقول إنه يقع. وقال في الخلاف : إذا قال لها : أنت مطلقة لم يكن ذلك صريحا منه في الطلاق وإن قصد بذلك أنها مطلقة الآن ، وهذا القول هو المشهور بين الأصحاب.
ويرد على ما ذهب إليه في المبسوط أنه يلزمه القول بذلك في غير هذه الصيغة ، لأن كلامه ظاهر في كونه هنا كناية إذ الصريح كما عرفت لا يفتقر إلى النية ، وحينئذ فيلزمه القول بذلك في سائر الكنايات من ألفاظ هذه المادة ،