وقال القاضى أبو بكر : بالاختلاف نظرا إلى ما اختصت به كل صفة من الصفات النفسية من غير التفات إلي وصف الغيرية.
والحق فى ذلك أن من أنكر الاختلاف ؛ لا ينكر اختصاص كل صفة من صفات الرب ـ تعالى ـ بما لا ثبوت له فى باقى الصفات من الصفات النفسية. ومن أثبت الاختلاف لا ينكر انتفاء الغيرية عن صفات الرب ـ تعالى ـ بالتفسير السابق ذكره ، غير أن كل واحد منهما. يقول : أنا لا أعنى بالخلافين إلا ما ذكرته ، ولا منازعة فى الاصطلاحات بل المتبع فى ذلك إنما هو ورود السمع [فما ورد السمع] (١) بإطلاقه أطلق ، وإلا فلا.
وإذا عرف ما نعنى ، بمعنى التماثل ، والاختلاف فلا يخفى أن البياضين متماثلان ، وأن السواد ، والبياض مختلفان ، نظرا إلى ما ذكرناه من المعنى.
ولا مانع من إطلاق ذلك لغة.
فإن من قال : البياضان متماثلان ، والبياض ، والسواد مختلفان ؛ لم ينكر عليه أحد من أهل اللسان ، وبه يظهر فساد قول من قال من المتكلمين ، إن التماثل ، والاختلاف ؛ لا يكون إلا فى الجواهر بما قام فيها من الأعراض التى فى حكم التماثل : كبياضين ، أو الاختلاف كسواد ، وبياض مثلا ؛ وأن الأعراض لا تكون متماثلة ، ولا مختلفة ؛ لعدم قيام العرض بالعرض.
والّذي يؤكد بطلان مذهبه أنه إذا كان البياضان : كالسواد مع البياض فيما يرجع إلى سلب التماثل ، والاختلاف عنهما ؛ فيلزم أن لا يختلف حكم الجوهرين سواء قام بهما بياضان أو بأحدهما بياض ، وبالآخر سواد ، وهو محال.
فإن قيل : البياضان وإن لم يكونا متماثلين ؛ فهما فى حكم المماثلة ، والسواد ، والبياض ، وإن لم يكونا مختلفين ؛ فهما فى حكم المخالفة ، فافترقا.
قلنا : إما أن يراد بحكم المماثلة والمخالفة ، وجود خاصية المماثلة ، والمخالفة من الاشتراك فى الصفات النفسية ، والاختلاف فيها ، أو الافتراق فإن كان الأول : فهو المطلوب ، ولا حرج فى العبارة.
__________________
(١) ساقط من (أ).