وإن كان لهم اختلاف فى المعلول الأول لواجب الوجود ، وكيفية صدور الكائنات عنه ، وفى أصول الموجودات المركبة ، وكميتها ، وكيفيتها وقد أومأنا إليه فى كتابنا الموسوم بدقائق الحقائق (١) ، ورموز الكنوز (٢)
وذهبت (٣) الدهرية : إلى القول بوجوب وجود ما وجد عن الواجب بذاته مع وجوده ، وإن قيل له حادث : فليس إلا بمعنى أن وجوب وجوده بغيره ، وأن له مبدأ يستند إليه ، ويتقدم عليه تقدما بالذات على نحو تقدم حركة اليد على حركة الخاتم.
ثم اختلف هؤلاء فيما وجب عن الواجب بذاته فذهب أرسطاطاليس (٤) ، ومن نصر مذهبه من اليونانيين ، وفلاسفة الإسلاميين كأبي نصر الفارابى (٥) ، وأبى عبد الله الحسين ابن سينا (٦). إلى أن الواجب عن الواجب بذاته عقل مجرد عن المادة وعلائقها.
وبتوسطه وجدت الأجرام العلوية ، ونفوسها ، والعقول التى هى مبادئها منتهية إلى الجسم المشترك بين العناصر ، التى فى مقعر فلك القمر ، الصادر عن العقل الفعال لنفوسنا.
وأما ما وراء ذلك من الكائنات المتجددة : كالنفوس الإنسانية ، والصور الجوهرية للأجسام العنصرية ، وغير ذلك من الحركات ، والأمور العرضية المتوقفة على الاتصالات الكوكبية ، المستندة إلى الإرادات النفسية للأجرام الفلكية.
__________________
(١) دقائق الحقائق : وهو فى الفلسفة ويقع فى ثلاث مجلدات ، وهو من أهم كتب الآمدي الفلسفية ، وأقدمها تأليفا فكثيرا ما يحيل عليه فى كتابه أبكار الأفكار [أنظر عن هذا الكتاب ص ٩٤ ـ ٩٨ من دراستى عن الآمدي ، رسالة دكتواره سنة ١٩٧٤].
(٢) رموز الكنوز : وهو فى الفلسفة كما ذكر تلميذه ابن أبى أصيبعة وهو يقع فى مجلد واحد [انظر عن هذا الكتاب المصدر السابق ص ٩٣ ، ٩٤].
(٣) ساقط من ب.
(٤) أرسطاطاليس : ولد فى مدينة اسطاخيرا سنة ٣٨٤ قبل ميلاد المسيح عليهالسلام ، وتتلمذ على يد (أفلاطون).
ولقب بالمعلم الأول وكان له تأثير كبير فى العالم ، وترجمت مؤلفاته إلى معظم لغات العالم ، ومن أشهر مؤلفاته : الطبيعة ، والكون والفساد والأخلاق. ومن أشهر تلاميذه الاسكندر الأكبر المقدونى من أشهر الفاتحين ، ولأرسطو تأثير هائل فى فلاسفة الإسلام وفى فلاسفة أوربا بعد ذلك ، وتوفى سنة ٣٢٢ ق. م.
[انظر أخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطى ٢٧ ، والفلسفة الإغريقية للدكتور محمد غلاب ٢ / ٨٠].
(٥) الفارابى : [٢٦٠ ه ـ ٣٣٩ ه / ٨٧٤ م ـ ٩٥٠ م] محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرفان (الفارابى) ويلقب بالمعلم الثانى (أبو نصر) حكيم ، رياضى ، طبيب ، موسيقى. عارف بكثير من اللغات. ولد فى فاراب ، وسافر إلى حران ومصر ودمشق فسكنها وتوفى بها سنة ٣٣٩ ه له مؤلفات كثيرة : من أهمها : آراء أهل المدينة الفاضلة ، إحصاء العلوم ، وتحصيل السعادة [الفهرست لابن النديم ١ / ٢٦٣ وعيون الأنباء لابن أبى أصيبعة ٢ / ١٣٤ وما بعدها وفيات الأعيان ٢ / ١٠٠ وما بعدها].
(٦) ابن سيناء : سبقت ترجمته فى هامش ل ٧٢ / ب من الجزء الأول.