قولهم : إنه إنما فعل ذلك ؛ لتمكنه / من الاحتجاج عليهم بالأخبار الدالة عن التنصيص عليه.
قلنا : فذلك يستدعى وجود النص عليه ؛ وهو غير مسلم على ما سبق. وبتقدير أن يكون منصوصا عليه ؛ فإنكارهم للنّصّ عليه قبل دخوله فى الشورى ، لا يزيد على إنكارهم له بعد دخوله فى الشورى ؛ بل ربّما كان إنكارهم للنّصّ عليه بعد رضاه بالدّخول فى الشّورى [أزيد منه قبله ؛ فإنه قد يقال له : لو كنت منصوصا عليك ؛ لما رضيت] (١) بالدخول فى الشورى ؛ لاعتقاد بطلانها ؛ والباطل لا يرضى به المعصوم.
قولهم : إنما لم يعلم الناس بمذهبه ، ولم يظهره لهم ، قبل عود الأمر إليه وبعده ؛ تقية وخوفا من وحشة / / المخالفة.
قلنا : ليس كذلك ، فإن الصّحابة ـ رضى الله عنهم ـ ما زالوا فى الوقائع مختلفين فى الأحكام ، ويخالف بعضهم بعضا ، كما فى مسألة الجد مع الإخوة والأخوات ، ومسألة العول ، وقوله : أنت عليّ حرام ، إلى غير ذلك من المسائل الفقهية ، ولم ينقل إفضاء ذلك إلى وحشة ، ولا فتنة.
وعلى هذا فلو ظهر ما اختص به من المسائل الفقهية قبل عود الأمر إليه ، وبعد عود (٢) الأمر إليه (٢) ؛ لم يكن ذلك ممّا يتوقع معه المخافة ؛ فإنه ما كان يتقاصر فى ذلك عن آحاد المجتهدين ، ولم يمتنع أحد من المجتهدين من إظهار مذهبه خوفا ؛ فعلى أولى بذلك (٣).
قولهم : إنه ـ عليهالسلام ـ ما حكّم أعداءه اختيارا ؛ بل اضطرارا على ما قرروه.
قلنا : أصحابه وإن كانوا ألجئوه إلى التحكيم ؛ لكن لا إلى تحكيم الرجال ؛ بل إلى تحكيم كتاب الله ، وسنة رسوله ؛ ولهذا فإنه لما حكم عمرو بن العاص ، وأبا موسى الأشعرى ؛ كانت حجة للخوارج عليه : «إنك حكّمت فى دين الله الرجال» (٤).
__________________
(١) ساقط من (أ)
/ / أول ل ١٦٩ / ب.
(٢) (الأمر إليه) ساقط من ب.
(٣) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ٦٧ ، ٦٨ ، ٧٣.
(٤) انظر الفصل فى الملل والنمل لابن حزم ٤ / ٩٥. وانظر مروج الذهب ومعادن الجوهر ٢ / ٣٨٤ فقد ذكر المسعودى موقعة صفين وما جرى فيها من الحوادث بالتفصيل. وخدعة رفع المصاحف ، كما تحدث عن الحكمين وبدء التحكيم ، وما حدث بعده من الخوارج بالتفصيل.