وإذ أتينا على تفصيل المذاهب فالكلام فى هذه المسألة يتعلق بأطراف / ثلاثة.
[الطرف الأول : فى بيان الوجوب سمعا.
والثانى : فى امتناع الوجوب عقلا.
والثالث : فى امتناع إيجاب ذلك على الله تعالى] (١).
الطرف الأول : فى بيان الوجوب سمعا :
والمعتمد فيه لأهل الحق ما ثبت بالتواتر من إجماع المسلمين فى الصدر الأول بعد وفاة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على امتناع خلو الوقت عن خليفة ، وإمام ، حتى قال أبو بكر رضى الله عنه فى خطبته المشهورة ، بعد وفاة النّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «إن محمدا قد مات ، ولا بدّ لهذا الدين ممن يقوم به» (٢) فبادر الكل إلى تصديقه ، والإذعان لقبول قوله ، ولم يخالف فى ذلك أحد من المسلمين ، وأرباب الدين ؛ بل كانوا مطبقين على الوفاق ، وقتال الخوارج على الإمام ، ولم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك ، وإن اختلفوا فى التعيين ، ولم يزالوا على ذلك مع كانوا عليه من الخشونة فى الدين ، والصلابة فى تأسيس القواعد ، وتصحيح العقائد ، غير مرتقبين فى ذلك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، حتى بادر بعضهم إلى قتل الأهل ، والأقارب فى نصرة الدين وإقامة كلمة المسلمين ، والعقل من حيث العادة يحيل تواطؤ مثل هؤلاء القوم على وجوب ما ليس بواجب ، لا سيّما مع ما ورد به الكتاب ، والسنة من تزكيتهم ، والإخبار عن عصمتهم ، على ما سبق تحقيقه فى قاعدة النظر (٣).
ثم جرى التابعون على طريقتهم ، واتباع سنتهم ، ولم يزل الناس على ذلك فى كل عصر ، وزمان إلى زمننا هذا من إقامة الأئمة ، ونصب إمام متبع ، فى كل عصر (٤) وحكمة ذلك ، أنا نعلم علما يقارب الضّرورة ، أنّ مقصود الشّارع من أوامره ، ونواهيه فى جميع موارده ، ومصادره وما شرعه من الحدود ، والمقاصات وعقود المعاملات ، والمناكحات ،
__________________
(١) ساقط من (أ).
(٢) قارن ما ورد هنا من خطبة أبى بكر رضي الله عنه بما ورد فى نهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٧٩ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩.
(٣) انظر ما سبق فى القاعدة الثانية : فى النظر وما يتعلق به ل ١٥ / ب وما بعدها.
(٤) قارن بنهاية الأقدام ص ٤٧٨ وما بعدها ، وغاية المرام ص ٣٦٥ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩.