وإن سلمنا أنه كان ملجأ إلى تحكيم الرجال من أصحابه ؛ ولكن لا نسلم أنه كان ملجأ إلى تحكيم أعدائه ، وقوم معينين : كعمرو بن العاص ، ونحوه ، وكل ما يقال فى إلجائه إلى تحكيم عمرو بن العاص ، وأبى موسى الأشعرى بعينهما ؛ فهو من باب الكذب ، والتخرص الّذي لا سبيل إلى إثباته بنقل من نقل الثقات ، ويدل على ما ذكرناه الشعر المنقول عنه ؛ فإنه يدل على أنه أخطأ فى التحكيم.
قولهم : إنما أراد به ما نقلوه عنه ، من كتاب محمد بن أبى بكر ، واعتراض معاوية له ؛ ليس كذلك ؛ فإنه ذكره عقيب التحكيم ، وخروج الخوارج عليه بسببه ؛ وذلك يوجب القطع بأنه إنّما أراد به التحكيم الّذي بسببه انفتق عليه الخرق من الخوارج ، وانفلج عليه الحكم ، وفسد به حاله ، واستظهر به أعداؤه ، إلى حالة مماته ولهذا قال : «لقد عثرت عثرة لا أنجبر».
واعتراض معاوية لكتاب محمد بن أبى بكر لم يكن من العثرات المؤثرة ، ولا من الأمور الموجبة ، لاختلال حال عليّ ، بخلاف التحكيم ، على ما لا يخفى ؛ وذلك يوجب القطع بضعف ما نقلوه ، وكذب ما أوردوه.
قولهم : إنما لم يجعل مال قتلى وقعة الجمل فيئا ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنهم مسلمون ، وأنهم كانوا ملتزمين لأحكام الاسلام ، ومن هو بهذه المثابة فمن مذهبه ـ عليهالسلام ـ أن ماله لا يكون فيئا.
قلنا : فيلزمهم أن يكون مخطئا فى اعتقاده [أن] (١) مال المرتدين من بنى حنيفة فيئا ؛ لأنهم كانوا بهذه / المثابة ، وعلى هذه الصفات ، ويدل على اعتقاده ذلك ، أنه اشترى الحنفية من السّابين لها.
وعند ذلك فلا يخلو إما أنه كان معتقدا لصحة الشراء ، أو غير معتقد له.
لا جائز أن يقال : إنّه لم يكن معتقدا لصحة الشراء ؛ لوجهين :
الأول : أنهم قد نقلوا أنه أعتقها ، والعتق يستدعى سابقة الملك ولا ملك ، ولا سبب له غير الشراء.
الثانى : أنه لو لم يكن الشراء صحيحا فى معتقده ؛ لما جاز له تسليم الثمن إلى البائع ؛ لأن تصرفه فيه يكون حراما ، والتمكين من فعل الحرام حرام ، ويلزم من ذلك خروجه عن كونه معصوما.
__________________
(١) ساقط من (أ)