في ليلة القدر كله ، وأحدثه فيها فأتمه وأكمله ، وأنه لم يرد بتنزيله ووحيه ، إنزاله له جملة على رسوله ونبيه ، أن الله سبحانه إنما أنزله على رسوله ، صلىاللهعليهوآله ، وأوحى تبارك وتعالى به إليه مفرقا لا جملة واحدة ، وعلمه إياه جبريل صلى الله عليهما سورة سورة وآيات آيات معدودة، ليقرأه كما قال سبحانه على مكث وترتيل ، ولترتيله وصفه تبارك وتعالى في الوحي له بالتنزيل ؛ لأن المفرق المنزل ، هو المرتل المفصل ، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى فيه : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦)) [الإسراء : ١٠٦] ، ويقول سبحانه لرسوله ، صلىاللهعليهوآلهوسلم في قراءته : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤)) [المزمل : ٤] ، والتفصيل : هو التقطيع والتنزيل.
وفي إجماله ، وجمع إنزاله ، ما يقول المشركون لرسوله ، صلّى الله عليه وعلى أهله : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] ، فقال الله سبحانه : (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢)) [الفرقان : ٣٢] ، يقول سبحانه : نزلناه عليك قليلا قليلا ، ثم قال سبحانه لرسوله ، صلىاللهعليهوآله : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣)) [الفرقان : ٣٣] ، فنحمد الله على ما نوّر بذلك من حجته بمنه ورحمته تنويرا.
ثم أخبر سبحانه أن قد أنزله ، وتأويل ذلك : أن قد جعله الله كله ، في ليلة واحدة ، فقال تبارك وتعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)) و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) [الدخان : ٣] ، فأبطل بذلك كل حجة لمن كفر مظلمة مهلكة ، فكان ذلك من قدرته ، ما لا ينكره من أهل الجاهلية من أقر بمعرفته.
وقد يمكن أن يكون تأويل (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) هو : تنزيله سبحانه من السماء السابعة العليا ، إلى من كان من الملائكة في السماء الدنيا ، وقد ذكر عن أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه أن ذلك هو تأويل (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) وبيانه ، فأي التأويلين جميعا تؤوّل فيه ، وقع بإنزاله كله عليه.