والشمس : هي الشمس في عينها ونفسها واستدارتها ، وضحاها : فهو ما يرى من علوها في السماء وظهورها واستنارتها.
وتأويل (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢)) ، فهو اتصاله بها ، وجيئته وراءها متصلا نوره بنورها ، وظهوره في الضوء بظهورها ، وما أبين ذلك وأنوره ، وأعرف ذلك وأظهره ، في الليالي الغر ، من ليالي كل شهر ، فنوره حينئذ بنورها متصل ، ليس بين نورهما فرقة ولا فصل ، وهي ليال (١) بيض مسفرة ، مضيئة ساعاتها منيرة ، عظمت في النعمة والقدر ، فقيل عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله : (إن صيامها كصيام الدهر) (٢) ، وهي ليلة ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة ، وهي ليال جعلها الله كلها مضيئة مقمرة ، وصل الله ضوء نهارها بضوء ليلها ، فكان ذلك من عظيم النعمة فيها وجليلها ، فسبحان من وصل وفصل بين الأمور ، فوصل منها بين نور عظيم ونور.
(وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (٣)) ، فهو إذا أظهرها النهار وأضحاها ؛ لأنها لا تضحى أبدا بإظهار ، إلا فيما جعلها الله تضحي (٣) فيه من النهار ، وكذلك سبحانه دبّرها في مقدارها ، وبذلك قدرها في مسيرها ومدارها ، وفيها ما يقول سبحانه : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)) [يس : ٤٠] ، فكلهم جميعا في فلك وهو المدار يطلعون ويغربون ، فليل الشمس والقمر عند كل أحد فغير نهارهما ، وأنهما يدوران جميعا بالليل والنهار في مدارهما ، والليل كما قال سبحانه فلا يمكن أن يسبق النهار ، وإن كان الفلك في ذلك كله هو المسلك والمدار ، لأن الليل لو سبق نهاره ، لسبقت الظّلم أنواره ، فبطل العدد والزمان وتقديرهما ، وفسد البشر والحيوان وتدبيرهما ، ولكان في ذلك أيضا فساد الأشجار والثمار ؛ لأن قوام ذلك كله ونشأته بما فصل بين الليل والنهار.
__________________
(١) في (أ) : ليالي.
(٢) أخرجه البخاري ٣ / ١٢٥٧ (٣٢٣٧) ، والنسائي في المجتبى ٤ / ٢٢١ (٢٤٢٠) ، وأحمد ٢ / ٢٠٥ (٦٩١٤) ، ٢ / ٢٦٣ (٧٥٦٧) ، وابن حبان ٨ / ٤٠٠ (٣٦٣٨) ، وبان خزيمة ٣ / ٣٠١ (٢١٢٦) ، والنسائي في الكبرى ٢ / ١٣٦ (٢٧٢٨) ، وأبو يعلى ١٣ / ٤٩٢ (٧٥٠٤) ، وغيرهم.
(٣) في (ب) : تضيء.