بمستورها ، وأطلعه بمنّه على خفيّ أمورها ، فعنده منها ، ومن الخبر عنها ، عجائب كثيرة لا تحصى ، وعلوم جمّة لا تستقصى ، فهو ينظر إليها ويراها ، بغير قلب منه يرعاها ، فلا يخفى عنه ممّا أظهر الله به منها خافية ، وموهبة الله له في نفسه بعلمها من كل علم فكافية ، فإن شاء أن ينطق فيها نطق ، فأحقّ في خبره عنها فصدق ، وكان بها وفيها أصدق قائل ، وإن سكت عنها سكت غير جاهل ، فهو لعلومها قرين ، وعلى مكنونها أمين ، إن ذكّر منها بآية رعاها ، أو سمعها عن الله وعاها ، لا تصمّ (١) عنها له أذن ولا يقين ، ولا تعمى عنها منه فكرة ولا عين ، فهو ينظر إلى ما أرته بيقين قلبه عيانا ، كما قال سبحانه : (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) (٧٣) [الفرقان : ٧٣].
ليس بمنّ الله عليه ، ولا مع إحسان الله إليه ، بمستكبر عليها ، ولا بمصرّ فيها ، فيكون كمن ذكره الله فيها بإصراره ، وإعراضه عنها واستكباره ، فقال سبحانه : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٩) [الجاثية : ٧ ـ ٩]. ولا كمن ذكّر بآيات الله فأعرض عنها وظلم ، ولم يعلم عن الله منها ما علم ، كما قال تبارك وتعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) (٥٧) [الكهف : ٥٧] ، بل وهبه برحمته ومنّه وفضله قبول ما جاءت به آيات الله من النور والهدى ، فسمعها عن الله بأذن منه واعية ، وعلمها من الله بنفس في علمها ساعية ، ثم لم يمنعها من أهلها فيأثم ، ولم يضعها في غير موضعها فيظلم ، كما قال الله لرسوله ، صلى الله عليه وعلى أهله : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٥٥) [الأنعام : ٥٤ ـ ٥٥] ، ففصل تبارك
__________________
(١) في (ب) و (ج) : لا تصمم له عنها.