ينج به من خبوت (١) الحيرة والجهالة ، ويحيى بروحه من موت العمى والضلالة ، لم يزل لسبيل الجهل سالكا ، وبموت العمى والضلال (٢) هالكا ؛ لأن الله جعله روحا من موت الضلالة محييا ، وضياء من ظلم الجهالة منيرا مصحيا ، (٣) فمن أحياه الله بروحه فهو الحيّ الرضي ، وما كان فيه من حق فهو المصحي المضيء ، لا تلتبس به الأغاليظ ، ولا تشوبه الأخاليط ، فهو النقي المحض ، والجديد أبدا الغضّ ، لا يخلق جدّته تكرار ، ولا يدخل محضه الأكدار ، بل نقي من (٤) ذلك كله فصفى ، فأغنى بمنّ الله وكفى ، فليس معه إلى غيره حاجة ولا فاقة ، ولا يغلب حجته من ملحد فيه لدد (٥) ولا مشاقّة.
بل حججه الحجج الغوالب ، وشهب نوره فالشهب الثواقب ، التي لا يخبو أبدا ضوء (٦) نورها ، ولا يخرب أبدا عمارة معمورها ، فيخبو بخبوّها ، نور ضوّها ، ويخرب لو خربت لخرابها ، (٧) نعمة الله وهّابها ، (٨) ، فيكون خرابها تغييرا (٩) لها ولنعمة الله فيها ، ولما جعله من (١٠) هداه مضموما إليها.
ولن يغير الله نعمة كما قال عزوجل : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد : ١١] ، ولن يلتبس شيء من هدى الله عليهم أبدا إلا بتلبيسهم ، كما قال سبحانه : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٥٣) [الأنفال : ٥٣].
__________________
(١) في (أ) و (د) : خبوب الحيرة. وفي (ج) : حياة الحيرة. وفي (ب) : حيرة ، والخبوت : ما اتسع من بطون الأرض.
(٢) في (ب) : والضلالة.
(٣) في (ب) و (د) : مضحيا.
(٤) في (ج) و (د) و (ب) : الإكثار (مصفحة). وسقط من (أ) و (د) : من ذلك. ومن (ب) : من.
(٥) اللدد : الخصومة.
(٦) سقط من (ج) : ضوء.
(٧) في (د) : بخرابها.
(٨) في (أ) : وبرهانها. وفي (ج) : جعائها.
(٩) في (ج) : خربها تعديد الهاء (مصفحة).
(١٠) في (ب) و (ه) : في.