عند ذكره في الولاية لهم ، سوى ما ذكر من الموالاة ، بالمقاعدة والمداناة ، فكيف من رمى إليهم بإخائه ووده؟! وكثّر عددهم بشخصه وعدده؟ وعمر ديارهم وأسواقهم ومحافلهم بمحله وابتنائه ، فلعله بذلك أنفع لهم ممن خصهم بودّه وإخائه ، فهو عامر لهم ومكثّر ، وولي لهم من حيث لا يشعر ، فهم خيرته وأولياؤه ، وفيهم مسكنة وثواؤه (١).
وقد قال الله للمؤمنين جل ثناؤه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (٥٦) [المائدة : ٥٥ ـ ٥٦] ، فبرّأهم الله (٢) عزوجل من ولايته وحزبه ، وولى كل امرئ (٣) منهم ما هو أولى به ، كما قال سبحانه : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (١١٥) [النساء : ١١٥].
ثم قال سبحانه بعقب ما قدّم في الولاية من الآيات ، وأوضح فيما أمر به فيها من البينات ، تكريرا لنهيه عن موالاة الظالمين وترديدا ، وتوكيدا لحكمه في مجانبة دار المعتدين وتشديدا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٥٧) [المائدة : ٥٧].
فما ارتكب الظالمون من قتل الأبرار وصلبهم ، أكبر عند الله أضعافا مضاعفة من الاستهزاء بهم ، والتلعب بالأنبياء ، كالتلعب والاستهزاء بما جاءوا به من الأشياء ، وكذلك التلعب بأولياء الله ، كالاستهزاء بالدين عند الله ، ولذلك (٤) أخبر الله سبحانه أنهم إن لم يكونوا لمن عاداه من المعادين ، فليسوا لما ينتحلونه من الايمان (٥) بمستحقين ، ولا في دعواهم له وتسميتهم به من المصدّقين ، ولا فيما أوجبه عليهم من هجرة من
__________________
(١) ثواؤه : مقامه.
(٢) سقط من (ب) : الله.
(٣) سقط من (ب) : إمرئ.
(٤) في (ب) و (د) : وكذلك.
(٥) في (ب) : ينتحلونه من المستحقين.