فلم يسهل سبحانه فيها ، ولا فيما نهى عنه منها ، لمؤمن في أبيه ولا أخيه ، ولا في أحد من أقربيه (١) ، وأزال ـ عمن والى منهم أحدا ، أو منحه في جدّ أو هزل ودّا ـ الإيمان بالله واليوم الآخر ، وجعله بهما وفيهما كالكافر ، فقال سبحانه : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢٢) [المجادلة : ٢٢] ، وقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢٣) [التوبة : ٢٣] ، فأنزل سبحانه بتظليمه لهم في ولايتهم إياهم وحيا ، ثم قال تبارك وتعالى بعد للمؤمنين تقدما ونهيا : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٢٨) [آل عمران : ٢٨]. فأخبر سبحانه كل برّ تقي ، أن من والى من كفر أو ظلم فليس منه في شيء ، لا في ولاية من الله ولا ارتضى ، ولا في برّ عند الله ولا تقى.
ثم قال في آخر نهيه للمؤمنين ، عما نهاهم عنه من موالاة الكافرين : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٣٠) [آل عمران : ٣٠] فدل سبحانه بقوله : (رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) ، على أن موالاة أهل الكفر والفساد ، من مساخطه العظام الشداد ، إذ كان الرءوف الرحيم ، لا يسخطه إلا الذنب العظيم.
وقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) (١٤٤) [النساء : ١٤٤]. فأخبر سبحانه أن ذلك منهم إن لم يفعلوه (٢) تقاة نفاق ، وأنه منهم ظلم وكفر وشقاق ، وأنهم كهم كفار ، وأن مصيرهم جميعا إلى النار ، لكفرانهم وفسقهم ، وعصيانهم
__________________
(١) في (ب) : أقرابيه. وفي (أ) : أقاربيه.
(٢) في (أ) و (ج) : إن فعلوه.