سواد قوم فهو منهم) (١). ومن ذلك حكم الله على المؤمنين بالهجرة للكافرين والزوال عنهم.
فاسمعوا هديتم لما وكد الله من المهاجرة ، التي من قبلها ترك المجاورة ، فقد سمعتم نهيه لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، عن مقاعدة من خاض في آياته ، مع ما ذكرنا من نهيه للمؤمنين عن مقاعدة من كفر به ، وما أمر الله به رسوله من الاعراض عمن تولى عن ذكر ربه ، والاعراض أوكد وأقل من المقاعدة والمجالسة (٢) ، لأن من أعرضتم عنه فقد هجرتموه وقطعتم بينكم وبينه كل (٣) مؤانسة.
فكيف تسع أحدا المجاورة لهم والمحالّة ، هذا ما لا يصح به في المعقول مقالة ، يقول الله لا شريك له ، لرسوله صلى الله عليه وعلى آله : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٦٨) [الأنعام : ٦٨] ، ويقول سبحانه : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) (٣٠) [النجم : ٢٩ ـ ٣٠]. فكيف يكون معرضا عنهم؟! وهو مجاور لهم والجوار حرمة بينه وبينهم.
__________________
(١) ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ١ / ١١٧٠ بلفظ : من كثر سواد قوم فهو منهم. والزرقاني في مختصر المقاصد ١ / ١٠٧٠ ، والسيوطي في ذيل اللآلئ ٤ / ٥٣٦٧ بلفظ : من سود اسمه مع إمام جائز كان قرينه في النار. وأخرجه الخطيب في تاريخه ١٠ / ٤٠ (٥١٦٧) بلفظ : من سود مع قوم فهو منهم ومن روع مسلما لرضا سلطان جيء به يوم القيامة معه. ورواه السيوطي في الجامع الصغير ٦ / حرف الميم برقم (٨٧٦٢) وقال : أخرجه الخطيب.
(٢) في (ب) : المحاسة (مصحفة).
(٣) في (ب) : وكل (مصحفة).