فمنع رسول الله عمر مما أراد بحاطب من القتل لرجعته وتوبته (١) ، وكان رسول الله صلى الله عليه في ذلك (٢) بحكم الكتاب ، أعلم من عمر بن الخطاب.
ثم أكّد في السورة على المؤمنين أشد تأكيد ، (٣) وردد نهيه عن موالاة من كفر ترديدا بعد ترديد ، وأخبرهم أن الأرحام وإن كانت بينهم ، فإنها غير نافعة في يوم القيامة لهم ، وكل(٤) محل ودار ، كان أهلها كفارا أو غير كفار ، إذا (٥) كانوا أعداء لله وكان الحكم في الدار حكمهم ، وكانت دارا ظاهرا فيها ظلمهم ، فهجرتها مفترضة واجبة ، وحلولها هلكة معطبة ، وبذلك (٦) وله ، ولما ذكرنا منه ، هلكت القرون والأمم ،
__________________
(١) أخرج القصة البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وأحمد ، وأبو عوانة ، وابن حبان ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، وأبو نعيم. عن علي عليهالسلام.
قال بعثني رسول الله صلىاللهعليهوآله أنا والزبير والمقداد ، فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ، فائتوني به ، فخرجنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا : أخرجي الكتاب ، قالت : ما معي كتاب ، قلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به النبيصلىاللهعليهوآله ، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلىاللهعليهوآله. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : ما هذا يا حاطب؟ قال : لا تعجل علي يا رسول الله ، إني كنت امرأ ملصقا من قريش ، ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني. فقال النبيصلىاللهعليهوآله : صدق. فقال عمر : دعني يا رسول الله فأضرب عنقه ، فقال : إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. ونزلت فيه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ). الدر المنثور ٨ / ١٢٥. وفي آخر الحديث ما فيه فما أهل بدر وغيرهم في العدل الإلهي إلا سواء ، والعبرة بخاتمة الأعمال وليست بدر حصانة يعمل معها صاحبها ما شاء ، وهي لا شك عمل عظيم يوجب الجنة ، كما قال النبي صلىاللهعليهوآله لكن لمن حافظ عليها ولم يحبطها.
(٢) سقط من (أ) و (ج) : في ذلك.
(٣) في (ب) و (د) : تأكيدا (مصحفة).
(٤) في (ب) و (د) : فكل.
(٥) في (ب) و (د) : إذ كانوا.
(٦) في (أ) و (ج) : مهلكة. وفي (أ) و (ج) : ولذلك وما ذكرنا منه.