إليها ويجتمع فيها من المجالس الملهيات ، فما (١) أبعده وأصدّه ، وأدفعه (٢) وأردّه ، للبيان فيما عطّل من هذه الفريضة وبدّل ، وافترى في خلافها ومضادّتها على الله وتقوّل ، فإلى الله المشتكى من (٣) ذلك وهو المستعان ، فما بعد بيان الله في ذلك بيان ، فيه شفاء لمشتف (٤) ، ولا اكتفاء من مكتف ، وما بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ، (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٣) [يونس : ٣٣].
فاتقوا الله في الهجرة أيها الناس ، فلا يقطعكم عنها الإلف والإناس ، والمعارف والأحباب ، والمجالس والأصحاب ، والفكاهات والألعاب ، والشك فيها والارتياب ، فإن الله وملائكته أنس لمن هاجر إليه ، وقام لله من الهجرة بما يحب عليه ، من كل إلف وأنيس ، وصاحب وجليس ، ورضى الله أرضى من كل رضى ، وفرض الهجرة أوكد الفروض فرضا ، فلا تثقل عليكم الهجرة فإن من أيقن بالمرجع إلى الله والمعاد ، خف عليه ثقل كل رشد ورشاد ، ومن أيقن بقصر مدته وبقائه ، فكان (٥) مراقبا لأجله وانقضائه ، لم يغترر بدنياه ، ولم يلهه شيء عما أنجاه ، وكان (٦) أبغض الناس إليه ، من شغله عما ينجيه ، (٧) أبا كان شاغله عن ذلك أو أخا ، ولم يعد شيئا من دنياه سرورا ولا رخاء ، ولم يرغب فيما هو فيه من الحياة ، إلا لما يطلب من النجاة ، وكانت الدنيا ونعيمها عنده بلاء ، وما يستحقه الجاهلون منها ثقلا ، وغرورا كلها وكذبا ، ولهوا في نفسه ولعبا ، كما قال الله سبحانه : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٦٤) [العنكبوت : ٦٤] ، فحياة الدنيا عند من يعقل موت ، ودركها وإن أدرك فوت ، وهي كما قال رسول الله
__________________
(١) في (ب) : هما (مصحفة).
(٢) في (أ) : وأبعده (مصحفة).
(٣) في (ب) و (د) : في.
(٤) في (ب) و (د) : للمشتف.
(٥) في (ب) : وكان.
(٦) في (ب) و (د) : فكان.
(٧) سقط من (ب) : عما.